الأحد، 5 يوليو 2009

سياحة السياسة السودانية في الخارج

أصبح من الصعب ان يلتقي الفرقاء السودانيون وجها لوجه لمناقشة قضية بلادهم في الداخل، وآثروا ان يطيروا بها ويسيحوا في ارجاء الكون دون ان يكون واضحا ما اذا كانوا يقصدون البحث عن حلول او عن مزيد من المناكفات والاستعراضات التكتيكية. وفي هذا الاطار حدثت خلال هذا الاسبوع ثلاثة تطورات هامة في الساحة السياسية السودانية. الاول مؤتمر واشنطن الخاص باتفاقية السلام، واتفاق حزب الامة مع حركة العدل والمساواة، وقرار الاتحاد الافريقي بالامتناع عن التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية.

لم يكن احد ينتظر ان يحل مؤتمر واشنطن كل المشكلات العالقة في قضية تنفيذ اتفاق السلام، ولكن ايضا لم يكن احد يتوقع ان يتحول المؤتمر الى مواجهة جديدة بين شريكي اتفاقية نيفاشا. ومما يثير الدهشة انه بدلا من ان نسمع عن التقدم او الفشل في ملف القضايا المختلف عليها حول اتفاقية نيفاشا، تحول موضوع العلاقات الثنائية بين البلدين الى قضية خلاف جديد بين الشريكين، يستعرض كل منهما عضلاته حولها. وافتتحت الحركة الشعبية الخلاف باتهام المؤتمر الوطني انه ذهب الى واشنطن باجندة غير تلك التي يتوجب ان يذهب بها، وذهبت الى اكثر من ذلك بادعاء انها تملك مفاتيح العلاقات السودانية الامريكية. ورد المؤتمر الوطني ان العلاقات مع واشنطن ليست حكرا على الحركة الشعبية. وتطرح هذه المواجهة الجديدة اسئلة عديدة حول مستوى التحضير والاعداد للمؤتمر من قبل المبعوث الامريكي للسودان الجنرال اسكوت غريشن، بل وعن فاعلية دوره اصلا في القضية. فمجرد وقوع المواجهة، وعدم خروج المؤتمر بنتائج ملموسة، ونقل ملفات الخلافات الحقيقية الى مؤتمرات جديدة، والى اوقات لاحقة، يعني ان وساطة غريشن فاشلة تماما على الاقل حتى الان. ومن الواضح ان غريشن حتى الان يستفيد من ورقة واحدة وهي انه ما زال في بداية الطريق مما يفرض على جميع الاطراف التحلي بالصبر ومنحه فترة سماح لاختبار قدراته، كما انه قد يكون ايضا ضحية مواقف متعارضة بين المعتدلين والمتشددين داخل الادارة الامريكية الامر الذي يعطي المؤتمر الوطني فرصة التقاط الانفاس، وهامشا لفتح قنوات اتصال وحوار لم تكن متوفرة في العهد السابق، وقد سارع باستغلال الفرصة. مهما يكن من امر فان النتيجة النهائية فيما يتعلق بدور واشنطن في قضية نيفاشا من جهة ودارفور من جهة اخرى ما تزال تراوح مكانها.

وبمجرد انتهاء لقاء واشنطن انتقلت القضية السودانية الى ردهات القمة الافريقية بموضوع رئيسي هو المحكمة الجنائية. ولقد نجح المؤتمر الوطني في اصدار قرار من القمة يقضي بعدم التعاون مع المحكمة الدولية. ومن الملاحظات الملفتة هو ان الخبر جاء درجة ثالثة في الصحيفة الحكومية الرأي العام في اليوم التالي لصدور القرار. وبالطبع من حق الحكومة ان تحاول الابتهاج والخروج بصورة المنتصر ولكن الملفت ايضا ان الاجواء كانت مختلفة تماما عن الصورة التي رسمتها الحكومة. فخروج البشير من القمة قبل انتهائها، واسراع دول افريقية في الاعلان عن عدم التزامها بالقرار، والهجوم العنيف الذي قادته كبرى منظمات حقوق الانسان، ومسارعة المدعي العام اوكامبو الى القول بان القرار لا يغير من الوضع شيئا، تشير الى ان القرار لا اثر له في الواقع، ولا يبدو ان هدف ضمان حرية التنقل للبشير في افريقيا على الاقل باعتباره الهدف الاساسي لوزارة الخارجية السودانية لم يتحقق في الواقع العملي. غير ان المثير في المسألة هو انه بدلا من ان تساعد قضية مذكرة اوكامبو الاتحاد الافريقي في تعزيز هيبته ودوره الاقليمي والدولي فقد قادته الى تناقض خطير مع نفسه طرح اسئلة مزعجة من قبيل مدى التزام اعضائه بالاتفاقيات الدولية التي وقعوا عليها ومن بينها اتفاقية المحكمة الدولية ومعظم اعضائه هم اعضاء في المحكمة. وفي الواقع فان احدا لا يستطيع ان يؤكد على نحو قاطع ان المؤتمر الوطني والبشير شخصيا قد حققا كسبا عمليا من المسودة الصادرة، بينما باتت مصداقية الاتحاد الافريقي معرضة اكثر من اي وقت مضى للتشكيك والاهتزاز فقد تبنى عمليا موقفا اشبه بالمواجهة مع المجتمع الدولي في وقت لم يحقق اي نجاح يذكر في قضية دارفور.

ومن سرت انتقلت القضية بعد اقل من 24 ساعة الى القاهرة حيث اعلن حزب الامة وحركة العدل والمساواة عن توقيع اتفاق بينهما هو الاول بين قوة سياسية مدنية وحركة دارفورية مسلحة. ويبدو من رد فعل المؤتمر الوطني العنيف ان الخبر الحقيقي ليس في توقيع الاتفاق بقدرما هو في نجاح الطرفين الموقعين على ابقاء المفاوضات في طي التكتم رغم انها كانت تجري على مقربة منهم. ووصل التوتر وسط اعضاء المؤتمر الوطني حد التهديد بالمساءلة السياسية والقانونية على حد قول مسؤول الاعلام بالمؤتمر الوطني كمال عبيد. ويذكـّر هذا الموقف بموقف المؤتمر الوطني من اتفاق المؤتمر الشعبي مع الحركة الشعبية قبل سنوات في جنيف. فتداعيات الاتفاق الحالي هي نفسها تداعيات ذلك الاتفاق مع اختلاف بسيط ان الصادق لن يتعرض للاعتقال. ان اهم نتيجة لهذا التطور هو انه أسس وكرس نقلة سياسية مهمة لحركة العدل والمساواة في الساحة السياسية السودانية هي بامس الحاجة لها. اما ماذا جنى حزب الامة منها فالاجتهادات مفتوحة في كل الاتجاهات ولكن ايا كانت النتيجة فانه سوف يعزز موقفه التفاوضي مع المؤتمر الوطني، وقد يحقق له مقعدا مباشرا او غير مباشر في مفاوضات الدوحة وتفاعلات موضوع دارفور.

ليست هناك تعليقات: