ردا على مقال انطوان معوض المحامي
اصول الهجرة في القرن الواحد والعشرين
فيما كنت اقرأ رد الأستاذ انطوان معوض على مقالي في العدد قبل السابق، بدأت برقية السيدة ميريام دي فييتير التي كنت انتظرها طيلة أسبوع في الوصول عبر الإنترنت الذي كان مفتوحا أمامي في تلك اللحظة. وكان أول سطر في البرقية أي عنوانها (أخبار سعيدة)، أما مضمونها فكان جملة توجيهات إلى والى أعضاء المنتدى اليوناني للمهاجرين بالأساليب والوسائل التي ينبغي أن نتبعها لحث الحكومة اليونانية على المصادقة على العهد الدولي المسمى (القانون الدولي حول حماية جميع العاملين المهاجرين وأفراد عائلاتهم) الذي صادقت عليها الجمعية العمومية للأمم المتحدة عام 1990 واعلنت بموجبها أن يكون يوم 18 ديسمبر من كل عام (اليوم العالمي للمهاجرين).
السيدة ميريام البلجيكية هي منسقة موقع 18 ديسمبر في الإنترنت وبمعييتها 20 مساعدا ومجلس أمناء من 3 من كبار الشخصيات الأوربية ومجلس استشاري من 3 من كبار الخبراء القانونيين، ومهمتها حاليا هو التنسيق مع منظمات مثل منظماتنا وجاليتنا للقيام بحملات إعلامية وتنويرية لدى ممثلي الرأي العام في اليونان وغير اليونان لاقناع الحكومة اليونانية بالإسراع للمصادقة على القانون المشار إليه.
أما السعيد في الرسالة فكان خبر موافقة (اللجنة الوطنية اليونانية لحقوق الإنسان) على تقديم توصية إلي الحكومة اليونانية بتوقيع الاتفاقية. واللجنة المذكورة هي هيئة حكومية مستقلة يعين أعضاءها رئيس وزراء اليونان. والمطلوب منا الآن أن نعمل مع اللجنة المذكورة عن طريق ممثلها والخبير القانوني الدكتور نيكوس سيتاروبولوس لترتيب نشاط يهدف إلى المصادقة على القانون من جانب الحكومة اليونانية.
وفي منتصف العام الماضي تلقت جاليتنا عبر مندوبتنا الآنسة أدلا شاشاتي مرشدا ضخما من الشبكة الأوربية لمكافحة العنصرية التي تتخذ من بروكسل مقرا لها هو عبارة عن دروس وتوجيهات لمنظمتنا عن كيفية متابعة أساليب اتخاذ القرارات وكيف يمكن لنا التأثير على هذه المؤسسات بحيث يوضع بعين الاعتبار الخصوصيات والمشاكل التي نواجهها حتى تخرج القوانين اكثر إنصافا وفاعلية. والشبكة المشار إليها هي اتحاد ضخم للمنظمات غير الحكومية الأوربية (600 منظمة من بينها عدد كبير من جاليات المهاجرين) أنشأته المفوضية الأوربية ويعمل الآن بتمويل مباشر منها تنفيذا للمادة 13 من اتفاقية امستردام التي اقرها الزعماء الأوربيون في يونيو عام 1997. وكانت المفوضية قد عهدت إلى منظمة ام آر جي البريطانية وهي منظمة تقتصر عضويتها على قانونيين فقط من جميع بلدان أوربا ببناء هذا الاتحاد وقد طاف أحد أعضائها على جميع الدول الاعضاء في الاتحاد حيث اشرف على تكوين فروع فيها عام 1998. ويعد المرشد أو الدليل الذي تكلمنا عنه آنفا مرجع المنظمات الأهلية والجاليات في كيفية تنظيم نفسها داخليا وقيادة الحملات والنشاطات المختلفة للتأثير على القوانين الصادرة فعلا والتي سوف تصدر، رغم ان مراجع اخرى قد صدرت من عدة جهات اخرى لا تقل اهمية عنه.
وفي عام 1996 أنشأت المفوضية الأوربية اتحادا آخر اقتصر على جاليات الأجانب ومنظمات أوربية باسم الفورم الأوربي للمهاجرين ومقره بروكسيل. وبنفس الصورة عمل الاتحاد حتى توقفه العام الماضي لقلة خبرة الأجانب، بطريقة الشبكة الأوربية وبتمويل من الحكومات الأوربية ومن بينها اليونان. وكانت ابرز أهداف هذه المؤسسة هو أيضا كيفية تحسين القوانين الخاصة بالأجانب عن طريق الاقتراب من متخذي القرارات بالإضافة إلي دورها الاستشاري غير الملزم للحكومات.
وقبل أيام قليلة دعانا الاتحاد الأوربي إلي ندوتين عقدتا عبر الإنترنت، الأولي مع الرئيس الفرنسي السابق فاليري جيسكار ديستان وهو رئيس لجنة صياغة دستور الاتحاد الأوربي حاليا والثانية مع مفوضة اليونان السيدة آنا دياماندوبولو في ندوتها المشهورة (الإسلام في أوربا أم الإسلام الأوربي). وكان هدف الداعين من مشاركتنا أن نمارس التأثير أيضا على هذه المستوى العلني.
ومن مستوى آخر من مستويات اتخاذ القرار الأوربي، حثتنا عدة مؤسسات اتحادية على ضرورة الاتصال المستمر كل في بلده مع الممثل القطري في لجنة صياغة الدستور الأوربي وهم جميعا من برلمانيين من البرلمان الأوربي. وما يخصنا منهم نحن هنا في اليونان هو السيد بارسكيفاس الجيرينوس الوزير السابق المعروف واحد كبار كوادر الحزب الاشتراكي الحاكم. وحسب الاتحاد الأوربي فان مسئوليتنا هي أن نطارده بالسؤال الدائم عما فعله وبفعله من اجل حقوقنا، فالاتحاد الأوربي يعتبر هذا الدور أساسيا ومهما حتى يشمل العدل إلى أقصى حد ممكن الجاليات والمهاجرين وأفراد عائلاتهم.
أما على المستوى القطري أو المحلي فان المناسبات والمستويات التي تبذل جهودا من اجل حث جمعياتنا ومنظماتنا على التدخل عن طريق المشاركة بالتأثير على مجريات الأمور فإنها لا تحصى ولا تعد بحيث بات من المستحيل علينا أن نتابعها جميعا. غير أنني أستطيع أن أشير فقط إلي التقليد الذي استنته وزارة الداخلية بأعلى مستوياتها وحافظت عليه من عهد الوزيرة فاسو باباندريو ويواصل فيه الآن السيد كوستاس اسكانداليدس وجميع مساعديه بمن فيهم مدير عام إدارة الأجانب والهجرة السيد ميتزيلوس وهي الندوات المفتوحة مع ممثلي الجاليات بفندق كارافيل وقد بلغ عددها حتى الآن خمسة ندوات. ولا شك أن المتابع سيندهش من مدى الصراحة والحريات التي تدار بها هذه الندوات. أما آخر الأخبار في هذا المجال هو الندوة الموسعة التي عقدتها اللجنة الاقتصادية الاجتماعية بالبرلمان اليوناني في مبنى البرلمان القديم والتي حرصت على مشاركة ممثلي الأجانب فيها بالرأي والنقد والترويج لآرائهم ومطالبهم. ونستعد الآن لحضور دعوة النائبة آنا كارامانو رئيسة لجنة الحريات في البرلمان الأوربي في المتحف البيزنطي المسيحي وهي مناسبة سنوية الهدف منها تعزيز العلاقات بين ممثلي الجاليات والاثنيات المختلفة مع كبار السياسيين والصحفيين وعموما ممثلي الرأي العام اليوناني بحيث يمكن خلق قنوات لهذا الذي نسميه باللوبيات ومجموعات الضغط.
كل هذا السرد وغيره كثير، يوضح أمرا واحدا وهو أن مسالة التأثير على القوانين بهدف تحسينها هو هدف ومطلب أوربي قبل أن يكون مطلبا للاجانب. والحقيقة المؤكدة هي أن الأطراف الأوربية المعنية تشعر بالكثير من الاستياء واليأس لان الجاليات عاجزة عن مجاراة الأحداث وغير قادرة على فهم مغزى هذا العمل وهذه هي معضلتنا وليس قضية قانونية تدخلنا في السياسة من عدمه.
لقد تجاوزت الأحداث آراء الأستاذ الجليل انطوان كثيرا. وأوربا الآن التي وصفتها إحدى المحاميات المشهورات وصفا صادقا بقولها أن أوربا التي باتت الآن المنطقة الوحيدة في العالم التي بلغت فيها الديمقراطية والحريات شأوا لم تبلغه الإنسانية أبدا في كل تاريخها ومع ذلك فإنها في حالة دائمة من البحث عن المزيد، ومهمتنا نحن في جاليات المهاجرين عموما والجاليات العربية خصوصا أن نسعى لاستيعاب هذا المناخ أولا والتفاعل معه بأقصى ما نستطيع لانه لا يعد فرصة تاريخية لتحسين أحوال أعضائنا وحسب ولكنه أيضا فرصة عظيمة لتخريج الكوادر والناشطين في العمل العام بالمنطق الديمقراطي الحقيقي حتى نتمكن من ترتيب مستقبل أبنائنا بالثورة المرتجاة. لقد وصلنا إلى مستوى دولة المواطنين. ونحن نتوسم ونتبع اثر دعوات ومناشدات وزير خارجية اليونان السيد يورغوس اندرياس في رسائله المتعددة إلي الجاليات بما فيها الحفلين الذين خصصهما تكريما لممثلي الأجانب بان الاتحاد الأوربي مبني على ثلاثة: الحرية السياسية والسوق الحر ومنظمات المجتمع المدني فاستفيدوا وفيدوا.
ومع أنني لست قانونيا إلا أنني أستطيع أن أقول ببساطة أن الأستاذ الجليل قد خلط بين الحق في ممارسة الحقوق وبين ممارسة حق الترشيح والاقتراع. فالمادة التي أشار إليها في القانون المدني اليوناني جاء تفصيلها في قانون الهجرة الجديد الساري حاليا في المادة 39. ويشمل التفصيل مواد أخرى في قوانين أخرى بما فيها العهود والمواثيق الدولية التي صادقت عليها اليونان. وبحسب المحامية ايوانا كورتوفيك من شبكة الدعم الاجتماعي للمهاجرين واللاجئين والمحامي كوستاس من النقابة العامة لعمال اليونان وآخرين فان الأجنبي يتمتع بكافة الحقوق المنصوص عليها في دستور البلاد وقوانينه الأخرى باستثناء حق الترشيح والاقتراع.
ومن هنا فهو يملك الحق في حرية التعبير والتنظيم وتسيير المظاهرات والتجمع وما يسمى بحق أن يستمع إليك المسؤول السياسي أو الإداري وحرية الالتقاء بالسياسيين والإداريين لشرح وجهات النظر والآراء، وتحت هذا الحق كان يلتقي بنا وزير الأمن العام الحالي كوفود من المنظمات غير الحكومية وقد أثمرت هذه اللقاءات عن إطلاق سراح المئات من المهاجرين من الاحتجاز بسبب عدم حيازتهم أوراقا رسمية للإقامة.
ويحق للمهاجرين من المقيمين بصورة قانونية الانضمام إلي النقابات بكافة أنواعها بما في ذلك حق الترشيح والاقتراع وهكذا اصبح مهاجر فلبيني عضوا في اللجنة الإدارية في إحدى النقابات في جزيرة كو وآخر سنغالي في اكبر نقابة في إيطاليا. ومن خلال هذه العضوية يستطيع المهاجر أن يمارس حياة سياسية كاملة بوجهها النقابي طبعا من دون أية عوائق. ولا تقف الحريات الآن في هذه الحدود وانما تجاوزتها بقبول كل من عمدة أثينا السيدة دورا باكويانيس والسيد خريستوس بابوتسيس من باسوك وجميع ممثلي الأحزاب الأخرى بدراسة مطلب السماح الأجانب في اليونان في التصويت في الانتخابات المحلية. وتجاوزت الآن الأمور هذا المستوى حيث طرح رسميا مطلب حق المهاجرين في حيازة الجواز الأوربي المقترح في إطار دستور الاتحاد الأوربي، وقد فصلنا كل هذه الجوانب في مقال سابق في الصحيفة العربية الأخرى (بانوراما) في عدد سابق.
بناء على هذا وغيره كثير فان الأستاذ انطوان قد خلط في رده علينا بين الدولة والمجتمع. فكلامه يخص دورنا نحو المجتمع وهو ما نتفق فيه معه تماما ونرجو أن تجد كلماته الآذان الصاغية. أما العمل الذي دعينا له فهو يخص الدولة وهو لا يستحق فقط أن نهتم به وانما تجعل من قضية الكفاح في إطاره وضمن مواعينه الجاهزة والواضحة واجب على كل من يؤمن على الأقل بان أجيالنا الناشئة الآن لا يجب أن تمر بما مررنا نحن به.
معاوية محمدين احمد
رئيس الجالية السودانية باليونان
صحيفة الضفتان/ العدد الخامس/ ابريل 2003
اصول الهجرة في القرن الواحد والعشرين
فيما كنت اقرأ رد الأستاذ انطوان معوض على مقالي في العدد قبل السابق، بدأت برقية السيدة ميريام دي فييتير التي كنت انتظرها طيلة أسبوع في الوصول عبر الإنترنت الذي كان مفتوحا أمامي في تلك اللحظة. وكان أول سطر في البرقية أي عنوانها (أخبار سعيدة)، أما مضمونها فكان جملة توجيهات إلى والى أعضاء المنتدى اليوناني للمهاجرين بالأساليب والوسائل التي ينبغي أن نتبعها لحث الحكومة اليونانية على المصادقة على العهد الدولي المسمى (القانون الدولي حول حماية جميع العاملين المهاجرين وأفراد عائلاتهم) الذي صادقت عليها الجمعية العمومية للأمم المتحدة عام 1990 واعلنت بموجبها أن يكون يوم 18 ديسمبر من كل عام (اليوم العالمي للمهاجرين).
السيدة ميريام البلجيكية هي منسقة موقع 18 ديسمبر في الإنترنت وبمعييتها 20 مساعدا ومجلس أمناء من 3 من كبار الشخصيات الأوربية ومجلس استشاري من 3 من كبار الخبراء القانونيين، ومهمتها حاليا هو التنسيق مع منظمات مثل منظماتنا وجاليتنا للقيام بحملات إعلامية وتنويرية لدى ممثلي الرأي العام في اليونان وغير اليونان لاقناع الحكومة اليونانية بالإسراع للمصادقة على القانون المشار إليه.
أما السعيد في الرسالة فكان خبر موافقة (اللجنة الوطنية اليونانية لحقوق الإنسان) على تقديم توصية إلي الحكومة اليونانية بتوقيع الاتفاقية. واللجنة المذكورة هي هيئة حكومية مستقلة يعين أعضاءها رئيس وزراء اليونان. والمطلوب منا الآن أن نعمل مع اللجنة المذكورة عن طريق ممثلها والخبير القانوني الدكتور نيكوس سيتاروبولوس لترتيب نشاط يهدف إلى المصادقة على القانون من جانب الحكومة اليونانية.
وفي منتصف العام الماضي تلقت جاليتنا عبر مندوبتنا الآنسة أدلا شاشاتي مرشدا ضخما من الشبكة الأوربية لمكافحة العنصرية التي تتخذ من بروكسل مقرا لها هو عبارة عن دروس وتوجيهات لمنظمتنا عن كيفية متابعة أساليب اتخاذ القرارات وكيف يمكن لنا التأثير على هذه المؤسسات بحيث يوضع بعين الاعتبار الخصوصيات والمشاكل التي نواجهها حتى تخرج القوانين اكثر إنصافا وفاعلية. والشبكة المشار إليها هي اتحاد ضخم للمنظمات غير الحكومية الأوربية (600 منظمة من بينها عدد كبير من جاليات المهاجرين) أنشأته المفوضية الأوربية ويعمل الآن بتمويل مباشر منها تنفيذا للمادة 13 من اتفاقية امستردام التي اقرها الزعماء الأوربيون في يونيو عام 1997. وكانت المفوضية قد عهدت إلى منظمة ام آر جي البريطانية وهي منظمة تقتصر عضويتها على قانونيين فقط من جميع بلدان أوربا ببناء هذا الاتحاد وقد طاف أحد أعضائها على جميع الدول الاعضاء في الاتحاد حيث اشرف على تكوين فروع فيها عام 1998. ويعد المرشد أو الدليل الذي تكلمنا عنه آنفا مرجع المنظمات الأهلية والجاليات في كيفية تنظيم نفسها داخليا وقيادة الحملات والنشاطات المختلفة للتأثير على القوانين الصادرة فعلا والتي سوف تصدر، رغم ان مراجع اخرى قد صدرت من عدة جهات اخرى لا تقل اهمية عنه.
وفي عام 1996 أنشأت المفوضية الأوربية اتحادا آخر اقتصر على جاليات الأجانب ومنظمات أوربية باسم الفورم الأوربي للمهاجرين ومقره بروكسيل. وبنفس الصورة عمل الاتحاد حتى توقفه العام الماضي لقلة خبرة الأجانب، بطريقة الشبكة الأوربية وبتمويل من الحكومات الأوربية ومن بينها اليونان. وكانت ابرز أهداف هذه المؤسسة هو أيضا كيفية تحسين القوانين الخاصة بالأجانب عن طريق الاقتراب من متخذي القرارات بالإضافة إلي دورها الاستشاري غير الملزم للحكومات.
وقبل أيام قليلة دعانا الاتحاد الأوربي إلي ندوتين عقدتا عبر الإنترنت، الأولي مع الرئيس الفرنسي السابق فاليري جيسكار ديستان وهو رئيس لجنة صياغة دستور الاتحاد الأوربي حاليا والثانية مع مفوضة اليونان السيدة آنا دياماندوبولو في ندوتها المشهورة (الإسلام في أوربا أم الإسلام الأوربي). وكان هدف الداعين من مشاركتنا أن نمارس التأثير أيضا على هذه المستوى العلني.
ومن مستوى آخر من مستويات اتخاذ القرار الأوربي، حثتنا عدة مؤسسات اتحادية على ضرورة الاتصال المستمر كل في بلده مع الممثل القطري في لجنة صياغة الدستور الأوربي وهم جميعا من برلمانيين من البرلمان الأوربي. وما يخصنا منهم نحن هنا في اليونان هو السيد بارسكيفاس الجيرينوس الوزير السابق المعروف واحد كبار كوادر الحزب الاشتراكي الحاكم. وحسب الاتحاد الأوربي فان مسئوليتنا هي أن نطارده بالسؤال الدائم عما فعله وبفعله من اجل حقوقنا، فالاتحاد الأوربي يعتبر هذا الدور أساسيا ومهما حتى يشمل العدل إلى أقصى حد ممكن الجاليات والمهاجرين وأفراد عائلاتهم.
أما على المستوى القطري أو المحلي فان المناسبات والمستويات التي تبذل جهودا من اجل حث جمعياتنا ومنظماتنا على التدخل عن طريق المشاركة بالتأثير على مجريات الأمور فإنها لا تحصى ولا تعد بحيث بات من المستحيل علينا أن نتابعها جميعا. غير أنني أستطيع أن أشير فقط إلي التقليد الذي استنته وزارة الداخلية بأعلى مستوياتها وحافظت عليه من عهد الوزيرة فاسو باباندريو ويواصل فيه الآن السيد كوستاس اسكانداليدس وجميع مساعديه بمن فيهم مدير عام إدارة الأجانب والهجرة السيد ميتزيلوس وهي الندوات المفتوحة مع ممثلي الجاليات بفندق كارافيل وقد بلغ عددها حتى الآن خمسة ندوات. ولا شك أن المتابع سيندهش من مدى الصراحة والحريات التي تدار بها هذه الندوات. أما آخر الأخبار في هذا المجال هو الندوة الموسعة التي عقدتها اللجنة الاقتصادية الاجتماعية بالبرلمان اليوناني في مبنى البرلمان القديم والتي حرصت على مشاركة ممثلي الأجانب فيها بالرأي والنقد والترويج لآرائهم ومطالبهم. ونستعد الآن لحضور دعوة النائبة آنا كارامانو رئيسة لجنة الحريات في البرلمان الأوربي في المتحف البيزنطي المسيحي وهي مناسبة سنوية الهدف منها تعزيز العلاقات بين ممثلي الجاليات والاثنيات المختلفة مع كبار السياسيين والصحفيين وعموما ممثلي الرأي العام اليوناني بحيث يمكن خلق قنوات لهذا الذي نسميه باللوبيات ومجموعات الضغط.
كل هذا السرد وغيره كثير، يوضح أمرا واحدا وهو أن مسالة التأثير على القوانين بهدف تحسينها هو هدف ومطلب أوربي قبل أن يكون مطلبا للاجانب. والحقيقة المؤكدة هي أن الأطراف الأوربية المعنية تشعر بالكثير من الاستياء واليأس لان الجاليات عاجزة عن مجاراة الأحداث وغير قادرة على فهم مغزى هذا العمل وهذه هي معضلتنا وليس قضية قانونية تدخلنا في السياسة من عدمه.
لقد تجاوزت الأحداث آراء الأستاذ الجليل انطوان كثيرا. وأوربا الآن التي وصفتها إحدى المحاميات المشهورات وصفا صادقا بقولها أن أوربا التي باتت الآن المنطقة الوحيدة في العالم التي بلغت فيها الديمقراطية والحريات شأوا لم تبلغه الإنسانية أبدا في كل تاريخها ومع ذلك فإنها في حالة دائمة من البحث عن المزيد، ومهمتنا نحن في جاليات المهاجرين عموما والجاليات العربية خصوصا أن نسعى لاستيعاب هذا المناخ أولا والتفاعل معه بأقصى ما نستطيع لانه لا يعد فرصة تاريخية لتحسين أحوال أعضائنا وحسب ولكنه أيضا فرصة عظيمة لتخريج الكوادر والناشطين في العمل العام بالمنطق الديمقراطي الحقيقي حتى نتمكن من ترتيب مستقبل أبنائنا بالثورة المرتجاة. لقد وصلنا إلى مستوى دولة المواطنين. ونحن نتوسم ونتبع اثر دعوات ومناشدات وزير خارجية اليونان السيد يورغوس اندرياس في رسائله المتعددة إلي الجاليات بما فيها الحفلين الذين خصصهما تكريما لممثلي الأجانب بان الاتحاد الأوربي مبني على ثلاثة: الحرية السياسية والسوق الحر ومنظمات المجتمع المدني فاستفيدوا وفيدوا.
ومع أنني لست قانونيا إلا أنني أستطيع أن أقول ببساطة أن الأستاذ الجليل قد خلط بين الحق في ممارسة الحقوق وبين ممارسة حق الترشيح والاقتراع. فالمادة التي أشار إليها في القانون المدني اليوناني جاء تفصيلها في قانون الهجرة الجديد الساري حاليا في المادة 39. ويشمل التفصيل مواد أخرى في قوانين أخرى بما فيها العهود والمواثيق الدولية التي صادقت عليها اليونان. وبحسب المحامية ايوانا كورتوفيك من شبكة الدعم الاجتماعي للمهاجرين واللاجئين والمحامي كوستاس من النقابة العامة لعمال اليونان وآخرين فان الأجنبي يتمتع بكافة الحقوق المنصوص عليها في دستور البلاد وقوانينه الأخرى باستثناء حق الترشيح والاقتراع.
ومن هنا فهو يملك الحق في حرية التعبير والتنظيم وتسيير المظاهرات والتجمع وما يسمى بحق أن يستمع إليك المسؤول السياسي أو الإداري وحرية الالتقاء بالسياسيين والإداريين لشرح وجهات النظر والآراء، وتحت هذا الحق كان يلتقي بنا وزير الأمن العام الحالي كوفود من المنظمات غير الحكومية وقد أثمرت هذه اللقاءات عن إطلاق سراح المئات من المهاجرين من الاحتجاز بسبب عدم حيازتهم أوراقا رسمية للإقامة.
ويحق للمهاجرين من المقيمين بصورة قانونية الانضمام إلي النقابات بكافة أنواعها بما في ذلك حق الترشيح والاقتراع وهكذا اصبح مهاجر فلبيني عضوا في اللجنة الإدارية في إحدى النقابات في جزيرة كو وآخر سنغالي في اكبر نقابة في إيطاليا. ومن خلال هذه العضوية يستطيع المهاجر أن يمارس حياة سياسية كاملة بوجهها النقابي طبعا من دون أية عوائق. ولا تقف الحريات الآن في هذه الحدود وانما تجاوزتها بقبول كل من عمدة أثينا السيدة دورا باكويانيس والسيد خريستوس بابوتسيس من باسوك وجميع ممثلي الأحزاب الأخرى بدراسة مطلب السماح الأجانب في اليونان في التصويت في الانتخابات المحلية. وتجاوزت الآن الأمور هذا المستوى حيث طرح رسميا مطلب حق المهاجرين في حيازة الجواز الأوربي المقترح في إطار دستور الاتحاد الأوربي، وقد فصلنا كل هذه الجوانب في مقال سابق في الصحيفة العربية الأخرى (بانوراما) في عدد سابق.
بناء على هذا وغيره كثير فان الأستاذ انطوان قد خلط في رده علينا بين الدولة والمجتمع. فكلامه يخص دورنا نحو المجتمع وهو ما نتفق فيه معه تماما ونرجو أن تجد كلماته الآذان الصاغية. أما العمل الذي دعينا له فهو يخص الدولة وهو لا يستحق فقط أن نهتم به وانما تجعل من قضية الكفاح في إطاره وضمن مواعينه الجاهزة والواضحة واجب على كل من يؤمن على الأقل بان أجيالنا الناشئة الآن لا يجب أن تمر بما مررنا نحن به.
معاوية محمدين احمد
رئيس الجالية السودانية باليونان
صحيفة الضفتان/ العدد الخامس/ ابريل 2003
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق