يصنف حي كيبسلي واحد من الاحياء الشعبية العديدة في العاصمة اليونانية اثينا. ولكنه يتميز بشهرة خاصة. فقد كان في يوم ما حيا راقيا. وما تزال بعض مبانيه القديمة تقف الى اليوم دليلا على ذلك العهد. وعدا عن ميزته الشعبية فانه يتميز ايضا بانه احد اكثر الاحياء ازدحاما في اوربا، وهو امر يحلو لكل ساكن في كيبسلي ان يردده. ولكن لا احد يستطيع ان يقدم دليلا. وبعد عام 1990 اكتسب ميزة جديدة وهي التعدد الاثني والثقافي باعتباره احد الاحياء الرئيسية التي يقصدها المهاجرون الاجانب من كل اركان الارض.
يخلو حي كيبسلي من الميادين المفتوحة. وتبدو البنايات ذات الخمسة او الستة طبقات متراصة مثل طوابير العسكر، ولا يكاد المرء ان يميز اي ملامح مختلفة بين بعضها البعض. شوارعها ضيقة، مليئة بالسيارات الواقفة على جنبيها ويبدو عددها اكثر من تلك المارة عليها. وعادة ما تسير بسرعات منخفضة لكثرة اشارات المرور. فشارع كيبسلي الرئيسي الذي لا يزيد طوله عن كيلومترين به ستة او سبعة اشارات مرور. وحسب الصحف المجانية اليومية فان السائق يحتاج لحوالي نصف ساعة كي يعثر على مكان لايقاف السيارة. وكثيرا ما تحتل السيارات ممرات العابرين على جانبي الطريق. ويضطر السائرون على اقدامهم على شق طريق لولبي لتفادي السيارات او الدراجات التي تغلق امامهم الطريق. وتساهم شركات الكهرباء والمياه والهاتف والغاز الطبيعي في اغلاق الطرق بآلاتها الضخمة والمزعجة بزعم انها تعمل على تجديد انابيب المياه او مد شبكة اسلاك جديدة. ولا تأبه هذه الشركات كثيرا لابلاغ السكان عن مشاريعها التجديدية حتى يستطيعوا ان يهيأوا امرهم.
ولاتحتاج شاحنات تغذية السوبرماركات العديدة في الحي بالبضائع، او شاحنات جمع القمامة الى اي اذن، للوقوف فجأة وسط الشوارع الضيقة بينما تصطف عشرات السيارات خلفها في انتظار انتهاء مهمتها. لكن بعض السائقين المتوترين وهم كثر، لا يترددون في الضغط على صفارة التنبيه بقوة دون اي اهتمام بالآخرين. ولا يكترث الناس عادة لبعض السائقين الشباب الذين يرفعون صوت الاغاني من ميكرفونات سياراتهم بأعلى صوت مما يحدث ضجيجا يهد الاعصاب. وبين هذا وذاك يمكن ان يخرج سائقا ويصيح بكل بساطة بصوت في اشخاص لا تستطيع تحديدهم بسرعة، ولكنك ان كنت تفهم اليونانية فسوف تدرك انه يحتج على توقف حركة السير. ولك ان تتخيل بعد ذلك كيف يعاني كبار السن، والاطفال، والامهات اللائي يصطحبن ابناءهم وبالاخص الحوامل منهن لاجتياز مسافات صغيرة او عبور الشوارع. الحي لا ينام ابدا ويبقى مائجا هائجا طيلة اليوم، من حركة السيارات، وصياح العمال، والمشاحنات والملاسنات شبه اليومية بين السائقين، وهدير الدراجات النارية بمختلف الاشكال.
في كيبسلي تجد كل انواع المحلات التجارية من مساحة مترين مربعين الى طبقات عدة. من محلات الشاورمة الى محلات ماركس آند سبرنسر. مسارح، ونوادي القمار، ومحلات التصفيف الافريقية، ودور العجزة والمستشفيات الخاصة، والكافتيريات، والفنادق الصغيرة، ومقاهي الانترنت، ومحلات الملاهي الليلية، والمخابز التي تواصل انتاج الخبز من الفجر حتى الحادية عشرة ليلا. ورغم انه حي شعبي فانك عندما تحصي عدد فروع المصارف تكتشف انه حيا للبنوك. في الحي سوقين شعبيين للخضروات يومي الخميس والسبت كل اسبوع. وهما اسواق شوارع، حيث يغلق شارع او شارعين ويفرشها المنتجون ويفترض انها تبيع المنتجات باسعار رخيصة. ورغم انه سوق للخضروات بشكل رئيسي الا انك تستطيع ان تجد فيه اي نوع من البضائع بما في ذلك السجائر المهربة. ومن المناظر المألوفة فيه شرطة البلدية وهي تطارد صغار الباعة الاجانب بحجة انهم لا يملكون ترخيصا.
احد اهم معالم كيبسلي كنائسها العديدة، التي تسمى عادة باسماء قديسين حسب الديانة المسيحية الارثوذكسية مثل كنيسة القديس ديميتريوس، والقديس جيورجيوس الخ. ومن معالمها ايضا ساحة او ميدان كيبسلي التي تعتبر قلب الحي، وهو تقليد ينطبق على معظم احياء المدينة. اهم ما في الساحة هي انها المحطة الرئيسية للمواصلات العامة، الحافلات والترولي الكهربائي وكذلك موقف التاكسيات. وتمتلىء الساحة بالمهاجرين العزب او العائلات في الصيف. فأغلبهم لا يستطيع ان يرتاد المقاهي والكافتيريات المنتشرة حول الساحة ويفضلوا ان يقضوا وقتهم مجانا على المقاعد المتناثرة في الساحة.
لكن ما ينفرد به الحي المزدحم والمزعج مبنى السوق الشعبي وهو غير الاسواق التي ورد الحديث عنها آنفا. يتبع المبنى للبلدية وكان بمثابة سوق للخضار واللحمة على الطراز الشرقي. وتحيط بالمبنى من احد الجوانب فرندة بها عدد من المحلات الصغيرة كانت تبيع التوابل والمنتجات الصغيرة. واحتل المبنى صدارة الانباء قبل نحو خمسة اعوام عندما قررت البلدية هدمه وتحويله الى مركز تجاري عصري. لكن السكان عارضوا الفكرة، وجمعوا التوقيعات بحجة ان الحي لا يحتاج الى مزيد من الاسمنت ولا الى مزيد من المراكز التجارية ولكن الى رئة ثقافية وفنية وطالبوا بابقائه كما هو وتحويله الى مرمز للمناشط الثقافية. وفي مرحلة تالية احتلته مجموعة تنتمي الى حزب يساري، وصارت تنظم فيه احتفالات ونشاطات مختلفة بما في ذلك تعليم اللغة اليونانية للاجانب.
ما رايك بالاقامة في حي كيبسلي اذن؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق