تسبب قرار الحركة الشعبية سحب مرشحها للرئاسة ياسر عرمان، في قلب حسابات الاحزاب التقليدية رأسا على عقب، ونشر البلبلة والفوضى في اوساطها، وانهيار تجمع قوى جوبا حيث عاد كل حزب الى داره ليعيد صياغة خططه من جديد وعلى انفراد. ولكن اقدام الحركة على اتخاذ قرارات فردية ليس جديدا. فتاريخ الحركة الشعبية حافل بمفارقة الحلفاء في منعطفات هامة منذ المحادثات المنفردة التي قادتها مع حزب المؤتمر الوطني وافضت الى اتفاق السلام عام 2005 والى التسوية التي توصلت اليها العام الماضي حول قانون الامن الوطني واخيرا الانسحاب من الانتخابات الرئاسية.
وادت هذه السلسلة من التراجعات عن العمل المشترك الى انهيار اكبر تجمعين للمعارضة خلال العشرين سنة الماضية هما التجمع الوطني الديمقراطي وقوى اعلان جوبا او "قوى الاجماع الوطني" الامر الذي طرح مرارا وتكرارا تساؤلات داخل هذه الاحزاب وخارجها عن مدى صدقية الحركة الشعبية في التحالفات التي تعقدها مع الاخرين. والواقع ان الحركة الشعبية ليست الوحيدة في اتخاذ القرارات المنفردة. فقد سبقها في اول العام حزب المؤتمر الشعبي بقيادة حسن الترابي عضو قوى الاجماع الوطني، عندما سارع الى اعلان مرشحه للرئاسة بدون تفاهم كاف مع بقية الاحزاب، وفرض عليها نظرية "تشتيت الاصوات"، رغم ان احد اعضاء هذا التجمع وهو حزب التحالف الوطني السوداني كان قد طرح على طاولة التفاوض الجماعي مبادرة التوافق على مرشح واحد لكل مستويات الانتخابات عبر المبادرة المعروفة باسم قوس قزح. ولكن يبدو ان القرار الاخير يختلف عن سابقاته من حيث تأثيره على مجريات الوضع السياسي في البلاد. فاذا كانت كل القرارات السابقة يمكن ان تدرج ضمن التناقضات المألوفة بين الاحزاب السودانية في القفز على وحدة الصف، الا ان القرار الاخير يتميز بانه تجاوز الحد المألوف في الاختلاف وذهب الى حد المس بمصير الزعماء انفسهم. فالنتيجة المباشرة لانسحاب الحركة من السباق الرئاسي هو انها اطاحت فورا بنظرية "تشتيت الاصوات" التي بدا ان جميع قوى الاجماع الوطني قد تراضت عليها، كاستراتيجية مركزية لخوض الانتخابات الرئاسية على وجه الخصوص. لكن الاخطر انها ايضا وضعت جميع الزعماء القدامى امام شبح الهزيمة الشخصية، وذلك لاول مرة في تاريخ الانتخابات المتعددة منذ ظهور احزابهم في اربعينات القرن الماضي، وفي مقدمتهم رئيس حزب الامة الصادق المهدي والامين العام للحزب الشيوعي السوداني محمد ابراهيم نقد اللذين جازفا بترشيح نفسيهما وفق النظرية اعلاه. وربما يفسر هذا اجواء البلبلة والارباك التي امسكت بخناق هذه الاحزاب وجعلتها غير قادرة على حسم موقفها واتخاذ قرارات واضحة حتى الان. واكبر دليل على ذلك التصريحات والمواقف المتضاربة حول المشاركة في الانتخابات من عدمها، والغموض حول العدد الحقيقي للقوى المقاطعة وما اذا كانت المقاطعة جزئية او كاملة. ويبدو ان الحركة الشعبية نفسها لم تسلم من ارتجاجات القرار الذي اتخذته بنفسها. فقد نقل الاعلام ان القرار قد ادى الى نشوب خلافات داخل الحركة، حيث خرجت مجموعة من أنصار عرمان الاحد الماضي، في مظاهرة في الخرطوم، رددت خلالها هتافات ضد القرار وطالبت بإعادة مرشح الحزب إلى السباق الرئاسي من جديد. وذكرت صحيفة «الشرق الأوسط» إن هناك ثلاثة تيارات داخل الحركة الشعبية تتجاذب حول موقفها النهائي من الانتخابات، الأول يطالب بإعادة عرمان إلى السباق الرئاسي، والثاني يرى سحب عرمان ومواصلة السباق الانتخابي في المستويات الأخرى، والثالث يطالب بالانسحاب من جميع مستويات الانتخابات في الشمال. لا يعني هذا بأي حال ان حزب المؤتمر الوطني في حالة ارتياح. فهو الاخر قد اخذ على حين غرة، واصيب ايضا بالدهشة من القرار المفاجىء وقد ارتبك بالمقابل ايضا ولكنه يبقى في حال افضل اذ ليس لديه خيار آخر غير الاستمرار في الانتخابات وخوضها في الزمن المحدد. كما انه قد يملك هامشا ما من التفاهمات مع الحزب الاتحادي الاصل، لتأمين الحد الادنى من التنافسية لضمان مستوى ما من الشرعية للانتخابات مقابل تنازلات ما. ازاء ذلك يكمن سؤال مهم وهو ما هي الاسباب الحقيقية التي دعت الحركة الى اتخاذ هذا القرار؟ فاعلانه قبل ايام معدودات من موعد الانتخابات، وطريقة اعلانه، ومبرراته لا تبدو مقنعة، خصوصا في ظل النتائج التي تمخضت عنه. لقد تحدث رئيس حزب الامة الاصلاح والتجديد مبارك الفاضل عن صفقة بين الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني ولكنه سرعان ما تراجع عنه. غير ان الحديث عن صفقة كلام يتقاسمه العديد من السودانيين في مجالسهم وحوراتهم الخاصة رغم ان الحركة الشعبية والمرشح المنسحب ياسر عرمان قد نفياه اكثر من مرة. ولكن يبقى تهديد مرشح المؤتمر الوطني عمر البشير بعرقلة الاستفتاء وهو خط احمر في حال عرقلت الحركة الانتخابات احتمالا اخر لانسحاب الحركة من الانتخابات الرئاسية على الاقل. فهل الصفقة ام التزوير في الانتخابات او التهديد برفض اجراء الاستفتاء هي سبب قرار الحركة؟ سيتعين علينا الانتظار زمنا طويلا حتى نعرف الاسباب الحقيقة، وحتى ذلك الحين علينا ان نتابع تداعيات هذا القرار فما يحدث ليس الا مجرد مشهد اول.
__._,_.___
وادت هذه السلسلة من التراجعات عن العمل المشترك الى انهيار اكبر تجمعين للمعارضة خلال العشرين سنة الماضية هما التجمع الوطني الديمقراطي وقوى اعلان جوبا او "قوى الاجماع الوطني" الامر الذي طرح مرارا وتكرارا تساؤلات داخل هذه الاحزاب وخارجها عن مدى صدقية الحركة الشعبية في التحالفات التي تعقدها مع الاخرين. والواقع ان الحركة الشعبية ليست الوحيدة في اتخاذ القرارات المنفردة. فقد سبقها في اول العام حزب المؤتمر الشعبي بقيادة حسن الترابي عضو قوى الاجماع الوطني، عندما سارع الى اعلان مرشحه للرئاسة بدون تفاهم كاف مع بقية الاحزاب، وفرض عليها نظرية "تشتيت الاصوات"، رغم ان احد اعضاء هذا التجمع وهو حزب التحالف الوطني السوداني كان قد طرح على طاولة التفاوض الجماعي مبادرة التوافق على مرشح واحد لكل مستويات الانتخابات عبر المبادرة المعروفة باسم قوس قزح. ولكن يبدو ان القرار الاخير يختلف عن سابقاته من حيث تأثيره على مجريات الوضع السياسي في البلاد. فاذا كانت كل القرارات السابقة يمكن ان تدرج ضمن التناقضات المألوفة بين الاحزاب السودانية في القفز على وحدة الصف، الا ان القرار الاخير يتميز بانه تجاوز الحد المألوف في الاختلاف وذهب الى حد المس بمصير الزعماء انفسهم. فالنتيجة المباشرة لانسحاب الحركة من السباق الرئاسي هو انها اطاحت فورا بنظرية "تشتيت الاصوات" التي بدا ان جميع قوى الاجماع الوطني قد تراضت عليها، كاستراتيجية مركزية لخوض الانتخابات الرئاسية على وجه الخصوص. لكن الاخطر انها ايضا وضعت جميع الزعماء القدامى امام شبح الهزيمة الشخصية، وذلك لاول مرة في تاريخ الانتخابات المتعددة منذ ظهور احزابهم في اربعينات القرن الماضي، وفي مقدمتهم رئيس حزب الامة الصادق المهدي والامين العام للحزب الشيوعي السوداني محمد ابراهيم نقد اللذين جازفا بترشيح نفسيهما وفق النظرية اعلاه. وربما يفسر هذا اجواء البلبلة والارباك التي امسكت بخناق هذه الاحزاب وجعلتها غير قادرة على حسم موقفها واتخاذ قرارات واضحة حتى الان. واكبر دليل على ذلك التصريحات والمواقف المتضاربة حول المشاركة في الانتخابات من عدمها، والغموض حول العدد الحقيقي للقوى المقاطعة وما اذا كانت المقاطعة جزئية او كاملة. ويبدو ان الحركة الشعبية نفسها لم تسلم من ارتجاجات القرار الذي اتخذته بنفسها. فقد نقل الاعلام ان القرار قد ادى الى نشوب خلافات داخل الحركة، حيث خرجت مجموعة من أنصار عرمان الاحد الماضي، في مظاهرة في الخرطوم، رددت خلالها هتافات ضد القرار وطالبت بإعادة مرشح الحزب إلى السباق الرئاسي من جديد. وذكرت صحيفة «الشرق الأوسط» إن هناك ثلاثة تيارات داخل الحركة الشعبية تتجاذب حول موقفها النهائي من الانتخابات، الأول يطالب بإعادة عرمان إلى السباق الرئاسي، والثاني يرى سحب عرمان ومواصلة السباق الانتخابي في المستويات الأخرى، والثالث يطالب بالانسحاب من جميع مستويات الانتخابات في الشمال. لا يعني هذا بأي حال ان حزب المؤتمر الوطني في حالة ارتياح. فهو الاخر قد اخذ على حين غرة، واصيب ايضا بالدهشة من القرار المفاجىء وقد ارتبك بالمقابل ايضا ولكنه يبقى في حال افضل اذ ليس لديه خيار آخر غير الاستمرار في الانتخابات وخوضها في الزمن المحدد. كما انه قد يملك هامشا ما من التفاهمات مع الحزب الاتحادي الاصل، لتأمين الحد الادنى من التنافسية لضمان مستوى ما من الشرعية للانتخابات مقابل تنازلات ما. ازاء ذلك يكمن سؤال مهم وهو ما هي الاسباب الحقيقية التي دعت الحركة الى اتخاذ هذا القرار؟ فاعلانه قبل ايام معدودات من موعد الانتخابات، وطريقة اعلانه، ومبرراته لا تبدو مقنعة، خصوصا في ظل النتائج التي تمخضت عنه. لقد تحدث رئيس حزب الامة الاصلاح والتجديد مبارك الفاضل عن صفقة بين الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني ولكنه سرعان ما تراجع عنه. غير ان الحديث عن صفقة كلام يتقاسمه العديد من السودانيين في مجالسهم وحوراتهم الخاصة رغم ان الحركة الشعبية والمرشح المنسحب ياسر عرمان قد نفياه اكثر من مرة. ولكن يبقى تهديد مرشح المؤتمر الوطني عمر البشير بعرقلة الاستفتاء وهو خط احمر في حال عرقلت الحركة الانتخابات احتمالا اخر لانسحاب الحركة من الانتخابات الرئاسية على الاقل. فهل الصفقة ام التزوير في الانتخابات او التهديد برفض اجراء الاستفتاء هي سبب قرار الحركة؟ سيتعين علينا الانتظار زمنا طويلا حتى نعرف الاسباب الحقيقة، وحتى ذلك الحين علينا ان نتابع تداعيات هذا القرار فما يحدث ليس الا مجرد مشهد اول.
__._,_.___
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق