الأربعاء، 7 يوليو 2010

الاعلام والاجانب في اليونان

مقال مترجم
محاضرة القيت في ورشة عمل لتدريب الصحفيين بعنوان "وسائل الاعلام والمهاجرين: مكافحة التنميطات السلبية ودفع التداخل الثقافي" الذي نظمه "المركز الاوربي الثقافي والبحثي ابيكا" بالتعاون مع وزارة الداخلية اليونانية بمدينة اثينا بتاريخ 22 مارس 2010

يكتسب الاعلام في اليونان اهمية خاصة للاجنبي المقيم لسببين। السبب الاول هو انه يشكل مصدر مهم للمعلومات الضرورية للقضايا التي تشكل الخطوات الاولى في رحلة البحث عن الاندماج في المجتمع. ويكتسب هذا الدور اهمية كبرى في اليونان مقارنة بالدول الاوربية الاخرى، نظرا لانعدام مؤسسات ثابتة ومتخصصة لارشاد وتنوير المهاجرين حول كيفية التكيف مع المجتمع وفهم البيئة الحكومية والاجتماعية المتغيرة بشكل مستمر.



وعلى الرغم من هذه الاهمية الا انه لم يتمكن فيما يبدو من تغطية احتياجات الاجانب بشكل كامل. وهذا ما يفسر لجوء الاجانب الى اصدار اعلامهم الخاص او اعلام المهاجرين. وتنعكس حاجتهم اليه من العدد الكبير من الاصدارات الصحفية، وتعدد لغاتها، وكذلك من سرعة ازدهارها. فمنذ عام 2000 تصدر بشكل منتظم حوالي 25 صحيفة و4 او 5 مواقع اخبارية الكترونية باحدى عشر لغة وبواسطة المهاجرين انفسهم.

ما يمكن ان يلاحظه المرء بنظرة سريعة في هذا الاعلام الخاص هو انه يعمل كوسيط مكمل للصحافة اليونانية العادية اذ يعتمد عليها كمصدرعن طريق الترجمة، ثم يضيف اليها بعض المعلومات او الشروحات الاضافية في حال كان ذلك ممكنا ذلك اما عن طريق المعلومة المباشرة او الاشكال الاخرى من الصحافة كالتعليق او التحليل او حتى الابراز. غير ان ما يثير الاهتمام اكثر هو انه يتفادى اي نوع من النقد للدولة او المجتمع اليوناني قبل ان يتناوله الاعلام اليوناني، ولكن حتى في هذه الحالة فان الناشرين يكتفون بالترجمة ويتجنبون اي نقاش جوهري في هذا المجال. وتوضح هاتين النقطتين مدى علاقة التبعية من جهة، والفشل في ان يصبح مصدرا لاخبار جديدة من جهة اخرى. ولهذا السبب لم يحدث قط ان اصبح اعلام المهاجرين مصدرا إخبارياً للاعلام اليوناني. ويلاحظ ايضا انه في كلتا الحالتين (الاعلام العادي واعلام المهاجرين) فان الاجنبي يقف دوما موقف المتلقي وليس المشارك باي حال.

السبب الثاني في اهمية الاعلام للاجنبي هي الصورة التي تعرضها عنه للمجتمع اليوناني. ويتفق المهتمون بقضايا المهاجرين على ان طريقة التناول سلبية في مجملها. واذا كان مبدأ "الاخبار الجيدة ليست اخبارا Good news are not news" هو قاعدة عامة يتبعها الاعلام الا انه يتجسد تجسيدا كاملا في حالة الاجانب، بحيث يمكن القول انه يكاد يكون من المستحيل العثور على أي صورة ايجابية عنهم في وسيلة اعلام مهمة. ويزداد الوضع تعقيدا عندما تعرض هذه الصورة من طرف واحد وفي غياب كامل للطرف الاخر. ويسمح هذا الاختلال للصحفي ان يتجاهل في كثير من الاحيان قواعد المهنة، والموضوعية لانه يدرك انه لن تكون هناك مساءلة من احد.

قبل ايام قليلة نشرت صحيفة يومية معروفة مقالا بعنوان "زواج جماعي في غزة بفتيات اعمارهن 4 و5 و6 الى 12 عاما". ووضعت المقال في مكان بارز ومهرته بكلمة "خاص" بحروف حمراء اللون في صدر الصفحة، وارفقت معه ثلاثة صور فوتوغرافية للزواج الجماعي المزعوم. وفي الحقيقة فان الصحيفة لم تفعل شيئا سوى انها اعادت نشر رسالة ايميل فاسدة او "spam" كما تسمى بلغة الانترنت، كانت قد انتشرت في الانترنت قبل ستة شهور. وبالطبع فان الموضوع قد اثار موجة من الغضب وردود الفعل ليس لان الزواج نفسه لم يكن حقيقيا، وانما لان الصحيفة ادعت ان الطفلات المرافقات للعرسان الرجال هن العروسات الحقيقيات، مشيرة الى ان ذلك تقليد لدى المسلمين في فلسطين. ويـُظهر هذا المقال بشكل واضح كيف يتناول الاعلام وبسهولة القضايا المتصلة بالثقافات والديانات الاخرى والمختلفة، وكيف يمكن تجاوز الحد الادنى من القواعد الصحفية المتعارف عليها بدون تردد، الامر الذي ينتج عنه رسم صورة خاطئة عن مجموعة اثنية ودينية مختلفة من البشر. ليس ذلك وحسب بل تحوّل وبسرعة عجيبة موضوعا يتعلق بالمهاجرين المقيمين في اليونان، بعد ان تبرعت شخصيات معروفة باستخدامه ضد الاجانب المسلمين المقيمين باليونان.

هذا يعني ان دور الاعلام كمنبر للحوار العام يمثل اشكالية اخرى بالنسبة للمهاجر. ولكن الى اي مدى يمكن ان نبحث عن مسؤولية الاعلام في غياب الرأي الاخر المعبر عن الاجانب؟ اننا نعلم ان الاعلام هو مرآة المجتمع، ويعكس احوالها بدقة، مما يعني ان ضعف المهاجر وفشله في الدفاع عن نفسه حقيقة واقعة واقصى ما يمكن ان يفعله هو الشكوى. ولكننا من جهة اخرى الا يجب ان نتساءل عن مدى مسؤولية الاجنبي المهاجر في هذا الغياب، خصوصا عندما نتذكر انه لا يجيد لغة الاعلام بشكل كافي، ولا يعرف القواعد الاساسية لطريقة عمل النظام العام في البلاد، ولا يملك خبرة كافية، ولا تتوفر له الادوات المناسبة التي تتيح له المشاركة في الحوار العام، وكل ذلك في ظل عزلة اجتماعية شبه كاملة.

حالة المهاجرين في اليونان ليست فريدة او وحيدة في حد ذاتها. فهي تمثل جزءا من حالات الفئات الاجتماعية الضعيفة بما فيها تلك التي تشكل جزءا من المجتمع الاصلي. ويمكن الاشارة الى حالة الغجر كمجموعة اجتماعية على سبيل المثال. والقاسم المشترك بين جميع هذه الفئات هي انها غير قادرة على التعبير عن نفسها، وغير قادرة على اسماع صوتها. ولكن في حالة المهاجرين يمكن ملاحظة مفارقة هامة وهي انهم يمثلون احد اكبر الفئات الاجتماعية انتاجية وربما هي الاعلى انتاجا ومع ذلك فان صورتها في الاعلام في الحضيض.

وللاسف ليس منتظرا ان تتغير هذه الصورة قريبا في ظل الظروف السائدة. ولهذا فان هناك حاجة ملحة لاتخاذ اجراءات لمساعدة هؤلاء المنتجين المجدين في الاندماج في المجتمع بصورة جدية، اكثر كثيرا من مجرد برامج مرحلية لدمجهم في النظام القانوني بالبلاد والاهتمام فقط بشرعية اقامتهم. ومن المهم ايضا ان يشارك في مثل هذه الاجراءات جميع الشركاء الاجتماعيين وفي المقدمة بالطبع الصحفيون انفسهم.

ليست هناك تعليقات: