سألني سائل ماذا قدمتم من عمل ملموس، محسوس للاجانب في اليونان؟
حقق المهاجرون ومناصريهم خلال الخمس عشرة سنة الماضية، ثلاثة اهداف كبرى. اولها اوسع واول تقنين شامل في تاريخ اليونان استفاد منه مئات الالوف من المهاجرين عام 1998 عبر ما سمي وقتها "الكرت الاخضر" الذي تم تنفيذه بمرسومين رئاسيين ، كاجراء موازي لقانون الهجرة الاصلي المرقم 1975 لعام 1991 الذي شرعته حكومة اليمين المحافظ بقيادة الرئيس الفخري الحالي لحزب الديمقراطية الجديدة قسطنطين ميتسوتاكيس. وقد بلغ عدد من تم تقنينهم في ذلك العام 371 الفا.
منح هذان المرسومان حقوقا محدودة للغاية (فعلى سبيل المثال لم يكن مسموحا للاجنبي ان يغيب عن البلاد اكثر من 60 يوما، وتغاضى عن لم الشمل العائلي.. الخ)، الا انه حقق انتصارين مهمين، الاقامة الشرعية وحق العمل. فحتى ذلك العام لم يكن مسموحا بهما، وكل من عاصر تلك الفترة يذكر جيدا حملات الطرد الواسعة من جميع انحاء اليونان. ومما يجدر ذكره ان نسبة الاجانب غير الشرعيين في اليونان في ذلك الوقت كانت 98.6% وهي نسبة لم يكن يوجد مثيل لها في جميع انحاء العالم، ناهيك عن دول الاتحاد الاوربي .
رغم محدودية الحقوق التي كفلها المرسومان، الا انه كان واضحا ان عددا كبيرا من الاجانب قد خطى الخطوة الاولى نحو الاندماج في المجتمع، الامر الذي فتح الباب لاحتياجات جديدة وبالتالي مطالبا اضافية. فقد تحقق قدر من الاستقرار والثقة لدى الفئة التي تمت تسوية اوضاعها مما جعلها اكثر جرأة في المطالبة بمزيد من الحقوق وتحسين التشريعات. وتمثلت علامات الاستقرار النسبي والثقة في ظهور الجاليات المنظمة، اذ ارتفع عددها من 4 جاليات فقط عام 1996 الى اكثر من 16 جالية في زمن وجيز، ثم بلغت الان نحوا من 100 مسجلة وغير مسجلة.
قاد هذا الى تقوية مجموعة الرواد الاوائل الذين كانوا قد اتحدوا وتحالفوا منذ وقت مبكر (شتاء عام 1996) مع مجموعات يونانية مختلفة تحت مسمى "لجنة التنسيق بين الجاليات ومنظمات مكافحة العنصرية اليونانية"، التي عرفت باسم "ذيكتيو" وهو غير منظمة "ذيكتيو" الحالية رغم ان الاخيرة كانت الدينمو المحرك لها، وقادت حملة تقنين الاجانب. غير ان الامانة تقتضي القول ان اول من افتتح قضية الاجانب هو النائب السابق في البرلمان الاوربي اليكوس الافانوس الذي اصبح لاحقا رئيس حزب تحالف اليسار، وذلك في شتاء عام 1991 عبر مهرجان سماه "كلنا غرباء في المدينة".
كانت هذه اللجنة المشتركة قد خاضت كفاحا صعبا منذ برزت فكرة "الكرت الاخضر" قبل عام من تطبيقها مع وزارة العمل ، وتوج في النهاية بقبول الوزارة ضم ممثلين للاجانب في لجنة الستة عشر المكلفة تحرير المرسومين. غير ان التمثيل خضع لمساومة قاسية منها رفض الوزارة ان يكون العضو اجنبيا بحجة ان اللجنة تدخل ضمن الصلاحيات السيادية وهذا لا يحق الا لمواطن كامل المواطنة. انتهى الامر بتسوية قضت بان يكون العضو من طرف لجنة التنسيق مواطنا يونانيا على ان يكون نائبه اجنبيا. وبموجب هذا، دخلت المحامية ايوانا كورتوفيك عضوة باللجنة وينوب عنها رئيس الجالية المصرية انذاك الاخ مجدي حلمي كممثلين للجنة التنسيق. وعند الاشارة الى تلك المرحلة والاعمال الكبيرة التي تمت خلالها فان الواجب يقتضي تحية الاخ مجدي على ما قدمه من عمل جليل اذ بالفعل يستحق الاحترام والتقدير، متمنين له في الوقت نفسه عاجل الشفاء فقد اصيب مؤخرا بشلل جزئي اثر جلطة مفاجئة.
تمكن المندوبان من تعديل العديد من المواد المجحفة في مسودات المرسومين (المسودة الاولى ابعدت الالبان من التقنين تماما على سبيل المثال) ولكنهما فشلا في تغيير فلسفتهما الاساسية القائمة على منح حقوق جزئية ومحدودة. فقد كان غرض الوزارة في الحقيقة معالجة قضية السوق السوداء للعمل ولوقت محدود، خصوصا وقد ساد اعتقاد بان وجود الاجانب في البلاد هو وجود مؤقت.
لكن المشكلات التي نتجت عن تطبيق المرسومين، ودوامة البيروقراطية التي دخلت فيها الدولة، وتقسيم الاجانب الى مجموعة تابعة للقانون الاصلي (تحت ادارة وزارة الامن العام) ومجموعة "الكرت الاخضر" وتبعيتها لوزارة العمل، خلقت وضعا شاذا في البلاد، عانى منه الاجانب والدولة في آن واحد. وفي نفس الوقت زاد الاجانب المنظمون ومؤيديهم من الضغط في اتجاه الاصلاح وحافظوا على الشعار المركزي دون تغيير وهو "تقنين كل الاجانب"، واتخذوا في سبيل ذلك صورا مختلفا من النشاطات، كالعرائض والمسيرات والمهرجانات والندوات والمؤتمرات الصحفية.. الخ. ونما على هامش هذه الحركة مهرجان مكافحة العنصرية الذي اصبح الان اكبر مهرجان من نوعه في البلاد، بل وتكونت لجان مماثلة له في مدن عدة في البلاد اهمها سالونيك وكريت وفولوس.
بحلول عام 2001 اي بعد اقل من ثلاث سنوات على تجربة "الكرت الاخضر"، اقرت الحكومة بفشلها، واعلنت عن ثلاثة خطوات تاريخية. الاولى الغاء قانون الهجرة الاصلي المرقم 1975 لعام 1991 ونظام المرسومين (اي الكرت الاخضر) وقررت تشريع قانون موحد للهجرة. الخطوة الثانية تمثلت في نقل سلطة ادارة الهجرة من وزارة الامن الى الحكم المحلي (وزارة الداخلية) وللعلم فان هذه واحدة من اهم واكبر الخطوات التي تمت في السنين الاخيرة لمن يعرف الوضع في اليونان. اما الخطوة الثالثة فكانت تطبيق برنامج شامل جديد لتقنين الاجانب هو الثاني من نوعه. في هذا العام خرج اول قانون متكامل للهجرة في اليونان (اكثر من 90 بندا مقابل 27 بندا للقانون السابق له) وهو القانون المرقم 2910 لعام 2001. وانتهى برنامج التقنين الثاني بتسجيل 351 الفا. تبنى القانون عددا من الحقوق الاساسية التي تجاهلتها كل القوانين السابقة ومنها لم الشمل العائلي على سبيل المثال، وتضمن بنودا لمكافحة العنصرية، واقر بضرورة وجود اجراءات اضافية للدمج الاجتماعي. وبجانب ذلك فقد نشأت بنيات لادارة شؤون الاجانب لم تكن موجودة يوما ما. لقد شكلت هذه الخطوات الثلاثة الاساسية وما صاحبها من حقوق الاضافية، ثاني اكبر انتصار لحركة المهاجرين ومناصريهم.
ابرز تطور حدث في حركة الاجانب في ذلك الوقت هو خروج الجاليات من عباءة المنظمات اليونانية وتكوين تحالفها الذاتي ممثلا في "الفورم اليوناني للمهاجرين " اثر اجتماع تأسيسي شهير انعقد في سبتمبر عام 2002 في مدرسة الجالية الفلبينية، وشاركت فيه 9 جاليات افريقية واسيوية وعربية.
رغم انجاز اكبر برنامجين للتقنين، وبروز بنيات حقيقية لادارة شؤون الاجانب وحياتهم بالبلاد لاول مرة في تاريخ اليونان، ظلت حركة المهاجرين والعديد من المنظمات وبعض الاحزاب تحافظ على الدعوة الى توسيع دائرة التقنين الى مجموعات اخرى. لكن في الوقت نفسه ظهرت قضايا جديدة فرضها التقنين ومنها مكافحة العنصرية، واجراءات حقيقية للدمج الاجتماعي، وتشجيع التنظيم الذاتي للاجانب، وتحسين شروط لم الشمل، والحقوق الدينية، ووصلت الى كفالة تعليم اللغة الام لاطفال الاجانب.
مثـّل نجاح المحافظين في الوصول الى الحكم في ربيع عام 2004 محطة مهمة في تطور قضية المهاجرين التي اصبحت في صدارة الاجندة السياسية والحزبية، اذ وضع حدا للتطور المتنامي في تحسين شروط حياة الاجانب. فقد مضت الحكومة الجديدة ومنذ ايامها الاولى في الغاء القانون 2910 وأصدرت بدلا منه القانون 3386 لعام 2005. ورغم انه لا يختلف كثيرا في بنيته العامة عن القانون السابق الا انه تبنى سياسة متشددة، حيث اضاف موادا ادت الى التضييق الحاد على المهاجرين وفي بعضها عزلتهم تماما. ومن ذلك تقييد العمل التجاري الحر للاجانب القانونيين ، واقام العوائق امام لم الشمل العائلي، وتجاهل بصورة حادة الجيل الثاني وامور اخرى كثيرة.
مضت الحكومة الى ابعد من ذلك ورفضت اشراك ممثلي الاجانب بمختلف فئاتهم في اي مستوى من مستويات التفاوض بل وحتى الاستقبال. ولم يتمكن ممثلو "الفورم اليوناني للمهاجرين" وهو الشبكة الاوسع تمثيلا من مقابلة وزير الداخلية انذاك البروفسير بافلوبولوس بروكوبيس سوى مرة واحدة فقط طيلة فترة حكم المحافظين (الديمقراطية الجديدة 2004 - 2009) وحتى هذه تمت بواسطة ضغط من اتحاد عام نقابات اليونان (جي سي ايه). وواصلت الحكومة عزل الاجانب بابعادهم رسميا عن "اللجنة القومية للدمج الاجتماعي" رغم انها ضمت تقريبا جميع ممثلي الرأي العام ، علما بأنها لجنة استشارية قراراتها غير ملزمة للحكومة.
أدى هذا الوضع الى زيادة مضطردة في حركة المهاجرين، أهم ما اسفرت عنه التوسع في عدد منظمات الاجانب حيث سجلت الاقاليم لاول مرة حضورا لم يكن موجودا من قبل، وتوثقت العلاقات بشكل كبير مع كبريات الهيئات والمنظمات مثل النقابة العامة لعمال اليونان، ونقابة المحامين، ونقابة اصحاب المعامل (جي سي في)، وعشرات من منظمات المجتمع المدني، وانفتحت على شبكات عدة في الاتحاد الاوربي، وكل ذلك في سبيل توضيح اوضاع الاجانب الصعبة في اليونان وحشد اكبر عدد ممكن من المناصرين.
في فبراير عام 2005 افتتح "الفورم اليوناني للمهاجرين" لاول مرة قضية الجيل الثاني، وتشكلت على الاثر حملة "لا للعنصرية من المهد" وهي شبكة ضمت اكثر من عشرين منظمة يونانية اضافة الى عشرات من منظمات المهاجرين. كان الهدف الاساسي هو وضع قضية ابناء المهاجرين في صدارة القضايا. وساهم كثيرا في انجاح الحملة مجموعة كبيرة من الصحفيين في مختلف اجهزة الاعلام، وفي اقل من ستة شهور اصبح موضوع الجيل الثاني مطروحا في كل مكان.
في نفس العام رحب الفورم اليوناني للمهاجرين بطلب من زعيم المعارضة انذاك ورئيس الوزراء الحالي يورغوس باباندريو لعقد لقاء مع جميع ممثلي المهاجرين. انعقد هذا الاجتماع في احد فنادق اثينا، ثم تكرر في صورة ورش عمل في نفس العام عبر ما سمي انذاك بـ "الحوار القومي حول الهجرة" وتعهد خلاله السيد باباندريو بمنح مزيد من الحقوق الى الجيل الثاني. وكان هو شخصيا احد الموقعين على عريضة حملة "لا للعنصرية من المهد". ادت هذه الخطوات فيما بعد الى صدور تعهد رسمي من الحزب الاشتراكي بمنح الجنسية لاطفال المهاجرين، وقدم بالفعل كحزب المعارضة مشروع قانون بهذا المعنى ولكن الاغلبية البرلمانية رفضته في حينه.
بوصول الاشتراكيين الى الحكم في خريف العام الماضي اعلنت الحكومة الجديدة عن استمرار التزامها بوعودها السابقة، وهكذا خرج "قانون الجنسية والمشاركة السياسية" بعد معركة لم يسبق لها مثيل مع أحزاب اليمين استمرت ثلاثة شهور (ديسمبر ـ مارس 2010). وفي نهاية مارس الماضي تمت اجازته واصبح يعرف بالقانون 3838 لعام 2010. ويكفل القانون وفق شروط محددة، الجنسية للاطفال الذين ولدوا او نشأوا في اليونان، كما يكفل لاول مرة لفئة معينة من المهاجرين حق التصويت والترشيح في الانتخابات البلدية.
يعد هذا ثالث اكبر انتصار لحركة المهاجرين وابرزها على الاطلاق. فقد فتح هذا القانون افاقا اخرى، لنحو 240 الف طفل ولدوا او نشأوا في اليونان، ودمجهم دمجا حقيقا في المجتمع. واذا اضيف حق التصويت والترشيح، فان المؤكد ان المهاجرين قد اصبحوا في وضع افضل بكثير مما كانوا عليه في السنوات السابقة.
باحصائية سريعة فانه بعدما كان معظم المهاجرين غير شرعيين نهائيا، في الفترة بين 1990 ـ 1991 فان عدد الحاصلين على اقامات سارية المفعول حتى هذه اللحظة، يبلغ 643 الف مهاجرا (يتضمن لـمّ الشمل العائلي) من بين نحو مليون اجنبي موجودون حاليا في البلاد (نحو ثلث هذا العدد اجانب من اصول يونانية وهؤلاء تحكمهم قوانين اخرى). ثم ان نحو 80 الفا منهم قد حصلوا فعليا على الاقامة الدائمة او الاقامة لمدة عشر سنوات، وسوف يشاركون لاول مرة في تاريخ اليونان في الانتخابات البلدية، تصويتا وترشيحا (لعضوية المجالس البلدية). واخيرا اتيحت الفرصة لاكثر من 200 طفل من والدين مهاجرين للحصول على الجنسية اليونانية.
------------------------------------------
المرسومان 357 و358 لعام 1997.
اعلنت وزيرة الداخلية آنذاك فاسو باباندريو (2001) ان حملات الطرد كلفت الخزينة العامة 8 مليارات دراخمة (اليورو 340 دراخمة).
عدد الاجانب الشرعيين كان 14 الفا فقط مقابل 800 الفا لغير الشرعيين حسب الاحصاء السكاني لعام 2002.
عهد ميلتياذيس بابا ايوانو الذي يرأس حاليا لجنة الشفافية في البرلمان
الاسم في الاصل يعود الى "الفورم الاوربي للمهاجرين" وهو مؤسسة صنعتها اللجنة الاوربية في جميع دول الاتحاد ولكنه فشل، وتحول من ثم الاسم الى "الفورم اليوناني للمهاجرين"، وهو عبارة عن اتحاد للجاليات وفق ترتيب متعدد المستويات.
ادارات الهجرة في اليونان: مؤسسات الحكم الاقليمي (اليونان مقسمة الى 13 دائرة اقليمية) هي التي تملك سلطة منح الاقامات، وتستلم الطلبات عن طريق البلديات (1024 بلدية ومجلس قرية)، وتشرف عليها مركزيا مصلحة الهجرة بوزارة الداخلية، ويستعين الوزير في وضع سياساته بمعهد دراسات متخصص هو معهد سياسة الهجرة، وجميعها تشرف وتقوم على تنفيذ قانون الهجرة الموحد. (تنويه: اعلنت الحكومة مؤخرا عن الغاء معهد الهجرة، وطورت مصلحة الهجرة الى الامانة العامة للهجرة برئاسة امين عام للوزارة، فيما ينتظر تخفيض عدد البلديات الى 325 فقط مطلع العام القادم).
اشترط توفر 60 الف يورو كحد أدنى لرأس المال.
ثمانية وزارات و15 مؤسسة وهيئة غير حكومية من بينها الكنيسة اليونانية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق