الأربعاء، 5 نوفمبر 2008

حصار ختان الفتيات في اي مكان انتصار للمرأة السودانية

من بين قضاياها الكثيرة وضعت ظاهرة ختان الفتيات في مقدمة اهتماماتي. قرأت عن الظاهرة الكثير. واطلعت على عشرات من المواقع العربية والاجنبية بحثا عن المزيد عن الموضوع. وتابعت جهود الطبيبة السودانية ناهد طوبيا في موقعها من ايام وجودها في جامعة كولومبيا والى حين انتقالها الى بريطانيا حيث هي الان. وحاولت ان اتكلم معها هاتفيا على الرقم المسجل في موقع Rainbo ولكن لم اتمكن من الحديث معها، او هي لم تشأ ان ترد. وتابعت باهتمام جهود الصحفية السودانية البريطانية سميرة احمد لمكافحة ظاهرة الختان من خلالها تقاريرها الى القناة البريطانية رقم 4 من خلال القسم الخاص بها في موقع القناة. وجمعت عددا لا بأس به من اخبار الاجراءات التي باتت تتخذها دول الاتحاد الاوربي ضد الظاهرة بعد وصول الالاف من المهاجرين الى اراضيها. ورصدت عددا من اشرطة الفيديو المسجلة في موقع يو تيوب وبعضها مرعبا. وسعيت اتعرف على اي مجموعة نسائية او غير نسائية داخل وطني ولم انجح رغم اني شاهدت فلما وثائقيا في قناة تلفزيونية يونانية منقولا من تلفزيون بي بي سي كانت تتحدث فيه ام سودانية شابة قدمت نفسها على انها رئيسة جمعية سودانية لمكافحة ختان الفتيات. الشىء الوحيد الذي عثرت عليه بالصدفة في الانترنت دراسة صادرة من جامعة الاحفاد عن الموضوع.
ظللت اتابع هذه الظاهرة بهذا الشكل اكثر من ثلاث سنوات. وكنت خلال هذا الوقت اتحدث مع بعض الشباب والشابات السودانيين الذين التقيهم في اليونان حول الموضوع، ولكن لم يكن هناك من يبدي اهتماما وبالاخص النساء منهم. وكان هذا في حد ذاته اكتشافا لم اكن اعلم به. غير اني وجدت اهتماما فائقا وسط اصدقائي اليونانيين خاصة النساء الناشطات في منظمات المجتمع المدني. وصار البعض منهم بدافع الفضول يلح عليّ للحصول على المزيد من المعلومات. ولما كنت مثل غيري من السودانيين اعلم بختان البنات ولكني لا اعرف عنه شيئا، صرت ابحث عن المصادر لاتعلم انا نفسي قبل ان اجيب على السائلين. ووجدت مصادرا عديدة وصورا شتى واحصائيات ودراسات لا تحصى. وعلمت ان 140 مليون امرأة تتعرض سنويا لهذه العادة الضارة. ووجدت انها تتركز في 28 بلدا جميعها في القارة الافريقية. واكتشفت ان 97% من المصريات يتعرضن للختان وان اكبر الدول التي تليها هي السودان واثيوبيا بينما تبلغ النسبة في جيبوتي 100%. أما آثار الختان فقد سجلته بعناية وتوثيق علمي ممتاز منظمة forward البريطانية.
في شهر يناير عام 2006 اتصلت بي سيدة يونانية وابلغتني ان مؤسسة طبية بلجيكية تود ان تكلمني بشأن ختان الفتيات. واستلمت بعد ايام قليلة رسالة في بريدي الالكتروني من سيدة بلجيكية تدعى "الس" وابلغتني انهم بصدد تقديم طلب الى مانح ما لتمويل مشروع لمكافحة الختان في اوربا وانهم يسألونني اذا كنت اود الدخول شريكا مع 14 دولة اخرى في الاتحاد. وقد وافقت على الفور وارسلت موافقتي باسم رابطة الصداقة السودانية اليونانية ممثلا لليونان. غير ان اهم اكتشاف حظيت به هو انها عرفتني على موقع الكتروني لشبكة نسائية افريقية ضد ختان النساء في فرنسا. واعتبرت انه من الضروري ان احاول ان اتكلم معهن عسى ولعل ان اعثر على سودانية من بينهن. وردت علي من الطرف الاخر امرأة بالانجليزية بلكنة فرنسية واضحة، ورحبت بطلبي حين قلت لها انني اود ان اتعرف على نشاطاتكم فقط لا اكثر ولا اقل. وطفقت تحدثني بحماس عن الجهود التي تبذلها هي واخريات من دول مختلفة كلهن جئن مهاجرات الى اوربا. عرفتني بنفسها بانها من السنغال واسمها خديجة كادي وانها تنشط في هذا المجال منذ عشرين عاما. وعلمت منها ايضا ان الشبكة تضم منظمات صغيرة مشتتة في دول اوربية عدة وان بعضها يحظى بمساعدات محدودة من حكوماتها. وقد شعرت انني استمع الى مناضلة حقيقية تعمل في صمت وبدون ضجيج، ولكنها خيبت ظني عندما قالت لي انها سعيدة ان يتصل بها شخص من السودان لاول مرة لان السودان هو احد الدول الاساسية التي يستهدفها عملهم ولكنهم لم يجدوا سودانية واحدة في اوربا تشاركهم نشاطهم.
مرت الايام والشهور واعلنت الحكومة اليونانية في بداية العام الحالي 2007 عن تكوين لجنة قومية للدمج الاجتماعي برئاسة وزير الداخلية. وحصل هرج ومرج في الاعلام المحلي حول هذه اللجنة بعد ان قرر الوزير اقصاء المهاجرين من عضوية اللجنة المكونة من 8 وزارات و17 هيئة من بينها الكنيسة اليونانية. وكنت قبل ذلك قد نجحت في اقناع نحو 20 امرأة من 7 دول افريقية بتكوين ما بات يعرف الان بـ "منظمة النساء الافريقيات المتحدات باليونان" بقيادة سيدة من سيراليون اسمها لوريتا ماكولي، اصبحت اشهر ناشطة مدافعة عن حقوق النساء الافريقيات والاطفال المولودين باليونان.
وفي اطار الخلاف حول عضوية المهاجرين في لجنة الدمج الاجتماعي ابلغتني النقابة العامة لعمال اليونان وعضو اللجنة بانها سوف تقاوم قرار الوزير بتعيين مهاجر في واحد من مقاعدها الاثنين المخصصة لهم داخل اللجنة، وقد رشحت لهم رئيسة منظمة النساء الافريقيات التي فاجأت الاعلام حين احتلت مقعدها ضمن تشكيلة النقابات في لجنة الدمج الاجتماعي ولم يعلق الوزير على خطوة النقابة.
سألني رئيس نقابة المحامين السيد ديمتري باكسينوس وعضو اللجنة ان كان لدي مواضيع هامة غير تلك المعروفة عن المهاجرين وتقبل ان يطرحها المحامون امام اللجنة، قلت له على الفور انني اريد من اللجنة ومن المحامين ومن الوزير ان يصدر اجراءات لحماية الفتيات ممن ولدن او ينشأن في اليونان من الختان. وبهت الرجل واخذني على جنب يسألني عم اتحدث؟ قلت له اننا في السودان نبتر جزءا من الاعضاء التناسلية للفتيات وهن صغار ونسميه الختان. وليس بوسعي وقف هذه العادة في بلادي ولكني اعتقد انني استطيع بمساعدتكم انقاذ بضع عشرات منهن ممن يقمن الان بينكم في اليونان. وقال لي ماذا تريد؟ قلت اريد ان توصوا اللجنة بحضور الوزير بتشريع قانون يمنع ختن الفتيات في الاراضي اليونانية ويعاقب من يقوم به عقابا صارما. ودفاعا عن طلبي حاولت ان اثير لديه الغيرة فاوضحت له ان هولندا مثلا اصدرت تشريعا من هذا النوع ولكون القانون الهولندي يمنح الجنسية للجيل الثاني فان المشرع اعتبر ان الختان جريمة توجب على الحكومة الهولندية مطاردة من يرتكبها حتى لو تمت خارج هولندا. وفي فرنسا فان الاسر المنتمية الى الدول المعنية لابد وان تحضر، في بعض الحالات، شهادة من الطبيب عند السفر الى اوطانها الاصلية تفيد بسلامة الفتيات وعند العودة يتوجب على اولياء الامور تقديم الفتيات على كشف طبي مرة اخرى لتأكيد انهن عدن بالسلامة. وفي بريطانيا تمنح الحكومة بشكل ثابت مكافأة قدرها 20 الف جنيها استرلينيا لكل من يبلغ بوقوع عملية ختان لفتاة داخل بريطانيا. وقد سحت به في دول عديدة كنت احفظ جميع الاجراءات التي اتخذتها. وكان واضحا انني تمكنت من اثارة اهتمامه وانه قبض على موضوع مثير والاهم ان احدا لن يعترض عليه.
لقد اوحت لي تلك المحادثة ان اواصل اثارة الامر مع اي طرف آخر اجده في المناسبات المختلفة. فالتعريف بالقضية يمثل حملة في حد ذاته. وتكررت مثل هذه النقاشات مع منظمات عدة ولكن ايضا مع نساء مهاجرات من دول مختلفة. ويبدو ان مناخا عاما قد تشكل وبات الامر مع مرور الزمن قضية يتم تداولها بين الحين والاخر.
جاء شهر يونيو الماضي ووجدت في بريدي الالكتروني رسالة من السيدة البلجيكية المذكوره آنفا ابلغتني فيها ان مشروعهم قد تم قبوله وان رابطة الصداقة السودانية اليوناني اصبحت المندوب القطري لليونان مع 14 منظمة اخرى من 14 بلدا واننا لابد ان نلتقي لوضع خطة لمكافحة ختان الفتيات في بلدان الاتحاد الاوربي. وقد شاء الحظ ان التقي سيدة سودانية ربة بيت ولديها الكثير من الزمن مثلها مثل جميع السيدات السودانيات اللائي اعتبرن ان واجبهن الاول والاوحد هو الاستقالة من الحياة والتفرغ لخدمة الزوج والاطفال، رغم التعليم والخبرة في السودان. شرحت للسيدة سارة احمد الامر واستجابت بحماس. وشعرت بسعادة غامرة لحماسها وخصوصا لانها تتميز بصفات كثيرة تناسب المهمة تماما فهي صيدلية ممارسة للمهنة سنوات وبذلك تملك خلفية جيدة عن المسائل الطبية وهي ام لطفلة صغيرة هذا فضلا عن استعدادها للتعلم وقبول التدريب.
اتفقنا منذ البداية ان يظل الهدف الاول لنشاطنا هو اقناع الحكومة اليونانية باصدار قانون لمنع ختان البنات في الاراضي اليونانية واتخاذ تدابير شبيهة بتلك التي جرت في دول الاتحاد الاخرى. واتفقنا ايضا ان نطلب عون منظمات اخرى فتشكلت بسرعة "شبكة اوقفوا الختان في اليونان" من رابطة الصداقة السودانية اليونانية، ومنظمة النساء الافريقيات، وشبكة مكافحة الفقر (مكونة من 52 منظمة يونانية كبرى" ومنظمة الارض واحدة، واتحاد الجاليات الاجنبية. ووافقت "سلطة رد المظالم" وهي سلطة حكومية مستقلة تتمتع باحترام واسع في المجتمع على المشاركة في الشبكة، ودخل معهد العمل، التابع للنقابة العامة لعمال اليونان شريكا جديدا وشكل فريق علمي بقيادة بروفسيرة في جامعة اثينا لاعداد دراسة عن الختان وسط نحو 50 سودانية هم ممن يقمن في اليونان، وقيادات جاليات الدول التي تعاني من الظاهرة. واصبحت السيدة سارة باعتبارها رئيسة المشروع تلتقي قيادات عديدة في البلاد وتمكنت هي نفسها في اقل من ستة شهور من تدريب نفسها بنفسها فاكتسبت خبرات جيدة اهلتها لادارة الحملة بشكل يثير الاعجاب. لقد اوشكت الدراسة ان تنتهي وسوف تعلن نتائجها في ندوة خاصة. ان الشعار الذي رفعناه هو "حصار ختان الفتيات في اي مكان انتصار للمرأة السودانية". واتمنى ان تتمكن السيدة سارة من توثيق كل تفاصيل ونتائج هذه التجربة حتى تتمكن نساء اخريات من متابعتها عسى ولعل ان تشجع اخريات على مكافحة هذه العادة الضارة.

8 مارس 2008

ليست هناك تعليقات: