بالرغم من ان الانترنت بدأ منذ نحو خمسين عاما[1]، إلا أن استخدامه لم ينتشر بين الناس، إلا بعد ابتكار نظام "الشبكة العنكبوتية دبليو دبليو دبليو"، على يد البريطاني تيم بيرنيرز[2] في معهد سيرن بسويسرا، يوم 30 ابريل عام 1993. وكان هذا المعهد قد ذاع صيته مؤخرا بسبب تجربة "محاكاة الانفجار الكوني العظيم" قبل اسابيع قليلة. ومنذ ظهور هذا الابتكار بدأت الحياة تتغير بشكل مثير. ويقدر عدد المستخدمين في العالم حاليا، بمليار وثلث المليار، من نحو ستة ونصف مليار هم سكان الارض[3]. وتقول المصادر ان الانترنت يحتوي حتى الان على نحو 28 بليون صفحة على الاقل[4]. وخلال السبعة اعوام الماضية المنتهية في 31 ديسمبر 2007، زاد عدد المستخدمين ثلاثة اضعاف، مما يشير الى سرعة انتشاره. ورغم ان افريقيا والشرق الاوسط، يظلان في مؤخرة المستخدمين، الا ان نسبة الزيادة في استخدام الانترنت في نفس الفترة، بلغت اكثر من تسعمائة في المائة. ويبلغ عدد المستخدمين اليوم في افريقيا 45 مليونا من 955 مليون، وفي الشرق الاوسط 33 مليونا من 197 مليون شخص[5].
السودان والانترنت
وحسب نفس الموقع فان السودان، جاء خلال نفس الفترة في طليعة الدول الافريقية التي تصاعد فيها استخدام الانترنت، حيث حل الخامس بين الدول العشر الاولى، بعد نيجيريا، والمغرب ومصر وجنوب افريقيا. وذكر الموقع ان عدد المستخدمين السودانيين الان ثلاثة ملايين ونصف مليون شخص، من نحو 39 مليونا هم عدد السكان. وان نسبة الزيادة خلال الاعوام السبعة الماضية بلغت 11 الفا و566 في المائة وهي من اعلى الزيادات في القارة. ويشكل هذا العدد 8.6% من اجمالي تقديرات عدد السكان[6]. وعلى الرغم من ان الموقع لم يوضح عما اذا كان هذا الرقم يشمل السودانيين المقيمين بالخارج، الا انه يدل على مدى اقبال السودانيين على الانترنت، وتقبلهم له. كما يشير ايضا الى الدور الخفي الهام الذي يلعبه في الوقت الحاضر في المجتمع، والاثر الحاسم الذي يمكن ان يلعبه في المستقبل، ان هو واصل في الحفاظ على نسبة الزيادة في الانتشار التي سجلها في السنوات الماضية.
وان لم تستفد منه دول المنطقة في الصناعة والتجارة والعلم كما يجب، فقد لاحظ المراقبون انه بدأ يلعب دورا متزايد الاهمية في الحياة السياسية والاجتماعية في بعض مجتمعاتها. ويقول احد الكتاب[7] في تعليق له على حركة الدعوة للاضرابات في مصر، ان من المفارقات ان الدعوة جاءت من شباب غير معروفين على الساحة السياسية، وقد استطاعوا ان يجروا وراءهم اكبر التنظيمات المعارضة في البلاد، مما جعل منهم لاعبين اساسيين في توجيه العمل السياسي، وطرح موضوعات من الصعب تناولها في اجهزة الاعلام التقليدية. كما نبّـه الى نجاحهم في اثارة قضايا التعذيب. وادت الظاهرة الى التأثير العابر للحدود فقلدهم الشباب الاردني، فيما دعا الشباب الفلسطينيون الى تحرك مصري اردني فلسطيني مشترك، وخلق تحالف شبابي على مستوى الشرق الاوسط، لتحقيق الديمقراطية العربية وليس الامريكية. وتساءل الكاتب عما اذا كانت الديمقراطية الافتراضية، ستنجح في بناء ديمقراطية حقيقية. لكن هذا التأثير لم ينتقل الى الشباب السوداني، رغم بروز السودان في مقدمة الدول العربية والافريقية التي انتشر فيها الانترنت، الا في نطاق محدود، يتمثل في مجموعات المنابر. فقد اهتم السودانيون ببناء المواقع، ومحاولة توفير شروط نجاح انتشارها، لا الترويج للافكار، ونشر المبادرات، وقيادة الحملات. وقد تولت هذه المهمة القوى السياسية والحزبية التي وجدت في الانترنت فرصة للتواصل مع الجماهير بعدما سدت امامها منافذ النفاذ الى الاعلام الجماهيري بكل اشكاله. ومع ذلك لم تتمكن من استغلال هذه التقنية الجديدة الاستغلال الامثل حتى اليوم مقارنة بالقوى السياسية في اماكن اخرى. ويسري الامر نفسه على منظمات المجتمع الاخرى.
الاحزاب والانترنت
كان التحالف الوطني السوداني اول القوى السياسية السودانية التي سعت لاستغلال التكنولوجيا الجديدة منذ ظهورها في سنواتها الاولى. ومنذ ذلك الحين وحتى اليوم، وصل عدد المواقع العاملة للاحزاب حاليا نحو تسعة. وخلال هذه الفترة اختفت مواقع التجمع الوطني الديمقراطي، والاتحادي الديمقراطي، والمؤتمر الشعبي، بينما بقي موقع المؤتمر الوطني مهملا. ورغم ان موقع حزب الامة هو الاكبر، الا ان اكثر المواقع الحزبية السودانية ثباتاً وحرفية هو موقع جريدة الميدان التابعة للحزب الشيوعي السوداني، رغم بساطته. ويلاحظ ان القوى السياسية الجديدة، مدنية كانت ام مسلحة، هي التي بادرت باستخدام تكنولوجيا الاتصالات الحديثة، وما زالت تعتمد عليها في الوصول الى الجماهير. ولكنها لم تتحول حتى الان الى مصدرا للاخبار محليا او دوليا كما هو شأن حركات اخرى في المنطقة.
الصحافة والانترنت
ورغم ان خبراء الاعلام يتفقون على ان الهاتف النقال والكومبيوتر سيكونان سيدا الموقف خلال سنوات قليلة من الان، الا ان موقف الاعلام التقليدي في السودان لا يختلف كثيرا عن موقف القوى السياسية ازاء الانترنت. ومع حرص بعض الصحف الكبرى على انشاء مواقع لها في الشبكة الدولية، الا انها ما تزال تتعامل معها باعتبارها أقساما ثانوية (او زيادة خير). ويتجلى هذا في الانظمة والتصميمات المتواضعة، والاعتماد على مخدمات تجارية رخيصة، وغياب كامل للكوادر المؤهلة، وغرف الاسناد الفني، ودورات التدريب الدائم، وتجاهل تام لسوق الاعلانات الالكترونية التي حققت طفرات خيالية في العالم الخارجي. يحدث هذا رغم ان التوقعات[8] تشير الى ان الصحافة المقروءة سوف تختفي بشكلها المعروف اليوم الى شكل اخر تماما خلال فترة لن تزيد عن 10 سنوات على الاكثر. وهذا ما يفسر جزئيا ذهاب معظم الاستثمارات في قطاع الاعلام حاليا الى الانترنت. وتزداد الازمة عندما نتطرق الى مجالات اخرى كالتجارة والاقتصاد والتعليم والحكومة الالكترونية ما يعني ان التخلف مريع وهو ما سوف ينعكس على التنمية ايا كان شكلها ومستواها في المستقبل القريب. ولا شك ان المسؤولية في الوقت الحالي تقع على الدولة التي يتوجب عليها خلق البنيات الاساسية، وتوفير شروط انتشار هذه التقنية التي باتت تتحكم في جميع مناحي الحياة.
[1] wiki.answers.com/Q/When_was_the_Internet_invented
[2] en.wikipedia.org/wiki/WWW
[3] www.internetworldstats.com/stats.htm
[4] http://www.worldwidewebsize.com
[5] www.internetworldstats.com/stats.htm
[6] www.internetworldstats.com/stats.htm
[7] موقع الاذاعة السويسرية swissinfo، د. حسن ابوطالب
[8] معهد الوسائط البصرية والسمعية - اليونان IOM، www.iom.gr
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق