الخميس، 4 ديسمبر 2008

اغضب بهدوء وابداع او تابع سعود سالم

صديقنا التشكيلي سعود سالم رجل هادىء جدا ومتوازن جدا ايضا. جاء الينا من فرنسا حيث يعيش وللمرة الثانية اتحفنا بمعرض تشكيلي رائع من اعماله في قلب اثينا. ولا تكمن روعة المعرض فيما حمله من فن تصويري لافت حتى لمن لا يفهم شيئا في الفنون التشكيلية، ولكن في كيف اقامه.

فلقد جاء صفر اليدين لا يحمل شيئا مما اعتاد التشكيلون حمله من اعمال. كل ما في الامر انه امضى بضعة ايام في قاعة فارغة مستطيلة الشكل داخل مبنى من مباني اثينا القديمة، وانتهى بمعرض استمر مفتوحا لاسبوعين. قصاصات من ورق الصحف المكتوبة بلغات متعددة، تحولت الى مراكب صغيرة تراصت على جدران القاعة الجميلة في نسق كأنه نشق على الحيطان. مراكب بالعشرات مصطفة في هدوء تزينها الوان صور الصحف لو رآها اصحابها لجن جنونهم اما اعجابا او حنقا. من اي زاوية تراها لا تفقد هدوءها ابدا. تنتظر في صبر واصرار في مكان لا تدري ما هو بالضبط: ميناء ام شاطىء مجهول ام كراج لتخزين المراكب. في افريقيا ام اوربا ام امريكا اللاتينية. على اي حال هو اطلق على المعرض اسم "مراكب" وكفى.

عندما اقيم المعرض كان بضعة عشر مهاجرا يضربون عن الطعام في مدينة خانيا في كبرى جزر اليونان كريت في اقصى الجنوب. ولذلك اعتبر سعود المعرض "حركة تضامنية" مع المضربين عن الطعام. اضربوا املا في ان تستجيب السلطة بقبولهم مهاجرين شرعيين. انهم جزء من مئات الالاف من المهاجرين الذين لا يلوون على شىء سوى اوراق تسمح لهم بالاقامة الشرعية. او نافذة يصلون عبرها الى حياة بشرية كريمة.

والواقع ان لسعود رأي في الموضوع. فقد قال لصحيفة الضفتان "القضية الاساسية في فرنسا حاليا هي قضية المهاجرين الذين يجدون صعوبة في استخراج اوراقهم والمصاعب والمظالم التي يوجهونها عند قدومهم الى فرنسا او الى اوربا عموما. انا اعمل بصورة منتظمة في ذلك الاطار كناشط للحقوق المدنية وحقوق المهاجرين".

اكثر ما اعجبني وشد انتباهي هو تفتق ذهنه عن استخدام بلاطات صغيرة صنعها البنـّاء زينة للحيطان في وسط القاعة في شريط ممتد من الارضية، الى السقف ثم الى الارضية مرة اخرى على شكل قوس. لم يفعل سعود اكثر من قطع صور مختلفة من الصحف ولصقها على البلاطات، فازدانت القاعة بالوان فاقعة متدافعة بتعابير قوية تتاقفز من كل بلاطة بشكل مختلف، وتزاحم بعضها بعضا من دون ملامسة، ويتصارع كل منها لابراز حركتها.

قال سعود عن فكرة المعرض "اعمل حسب امكانيات المكان. لم تكن الفكرة واضحة في الذهن ولكن المكان هو الذي ولـّدها. ولو كان المكان مكان آخر فقد تكون الفكرة هي اخرى ايضا".

دعونا نتجول في المعرض وارجو ان يعجبكم كما اعجبني وشكرا لسعود على كل حال:











ليست هناك تعليقات: