فتحي الضّـو
faldaw@hotmail.com
هل جاءكم نبأ ”كانيلوس“؟ أرجو ألا تبتئس يا عزيزي القارىء إن لم تكن قد سمعت عنه شيئاً مذكوراً، فأنا كنت مثلك تماماً ولكن عند زميلنا وصديقنا معاوية محمدين الخبر اليقين، والذي اتحفنا بتفاصيله في رسالة خاصة من قبل أن تنتشر سيرته وتملأ الآفاق مثلما هو حاصل الآن، ولكن دعنا في البداية نقتنص هذه السانحة للإحتفاء بمعاوية نفسه في بضع كلمات وإن لم تفه حقه، فهو للذين لا يعرفونه رجل دمث الاخلاق ووطني غيور، إختار الاقامة في بلاد الاغريق - مركز الحضارة الانسانية – متوسلاً الحكمة والحقيقة والحلم، وذلك إلى جوار سوفكليس وبركليس وفدياس وهيرودوت وهوميروس وسقراط وافلاطون وارسطو، ومنذ أن صعد إلى قمة جبل ”الأولمبوس“ وهو دائم التحديق صوب آخر النفق في بلاده، على أمل أن يرى بقعة الضوء الشاحبة وقد توهجت ذات يوم، ومثله مثل من يبتغي القيم الانسانية مرقىً للصعود يدلف إلى داخل معبد ”الأكروبوليس“ ليستنطق التاريخ المخبوء بين حجارته الصماء! وعن كانيلوس قال لنا: إنك إن مررت بميدان ”سينداغما“ وسط اثينا فستراه هناك إما متجولاً وسط المارة أو نائماً في هدوء تام كيفما اتفق، لكنه منذ أن اجتاحت اليونان حمى المظاهرات ومسيرات الغضب الهادر عقب مقتل التلميذ اليكساندرو غريغوروبولو (15 عاماً) أوائل ديسمبر الحالي في أحد أزقة حي ”أكسارشيا“ اصبحت مهمته قيادة هذه المظاهرات والسير امامها حتى مبنى البرلمان، ولدهشة المتظاهرين أنفسهم فبمجرد أن يسمع هتافاتهم الداوية تجده يخرج من مكانه مهرولاً نحوهم، وينتظر مقدمة الركب حتى يكون بينه وبينهم ثلاثة أمتار، ثم يتقدمهم دون أن يخل بتلك المسافة. وإلى جانب ذلك فقد أصبح متمرساً على عمليات الكر والفر، فإن حدث ووقعت مصادمات مع الشرطة تراه يهرب مع اكبر مجموعة من الهاربين في الاتجاه الذي يختارونه، وإن صادف وحوصرت المجموعة يبقى في مكانه حتى ينجلى غبار المعركة ويعود أدراجه بهدوء شديد، وإذا قُدر وشاهد رجال الشرطة وهم يستقلون الدراجات النارية فحينذاك تثور ثائرته ويقود مجموعة من رفاقه ويطاردهم إلى ان يغادروا الموقع. والرفيق كانيلوس الذي اطلق عليه شباب اليسار اليوناني هذا الاسم، والذي لا تخلو قناة فضائية أوربية أو غربية من اخباره هذه الايام، بلغ الآن من الكِبر عتياً فقد تجاوز عمره الـ 18 عاماً ولم تفتر له همة، فهو ببساطة شديدة...كلب إبن كلب!
faldaw@hotmail.com
هل جاءكم نبأ ”كانيلوس“؟ أرجو ألا تبتئس يا عزيزي القارىء إن لم تكن قد سمعت عنه شيئاً مذكوراً، فأنا كنت مثلك تماماً ولكن عند زميلنا وصديقنا معاوية محمدين الخبر اليقين، والذي اتحفنا بتفاصيله في رسالة خاصة من قبل أن تنتشر سيرته وتملأ الآفاق مثلما هو حاصل الآن، ولكن دعنا في البداية نقتنص هذه السانحة للإحتفاء بمعاوية نفسه في بضع كلمات وإن لم تفه حقه، فهو للذين لا يعرفونه رجل دمث الاخلاق ووطني غيور، إختار الاقامة في بلاد الاغريق - مركز الحضارة الانسانية – متوسلاً الحكمة والحقيقة والحلم، وذلك إلى جوار سوفكليس وبركليس وفدياس وهيرودوت وهوميروس وسقراط وافلاطون وارسطو، ومنذ أن صعد إلى قمة جبل ”الأولمبوس“ وهو دائم التحديق صوب آخر النفق في بلاده، على أمل أن يرى بقعة الضوء الشاحبة وقد توهجت ذات يوم، ومثله مثل من يبتغي القيم الانسانية مرقىً للصعود يدلف إلى داخل معبد ”الأكروبوليس“ ليستنطق التاريخ المخبوء بين حجارته الصماء! وعن كانيلوس قال لنا: إنك إن مررت بميدان ”سينداغما“ وسط اثينا فستراه هناك إما متجولاً وسط المارة أو نائماً في هدوء تام كيفما اتفق، لكنه منذ أن اجتاحت اليونان حمى المظاهرات ومسيرات الغضب الهادر عقب مقتل التلميذ اليكساندرو غريغوروبولو (15 عاماً) أوائل ديسمبر الحالي في أحد أزقة حي ”أكسارشيا“ اصبحت مهمته قيادة هذه المظاهرات والسير امامها حتى مبنى البرلمان، ولدهشة المتظاهرين أنفسهم فبمجرد أن يسمع هتافاتهم الداوية تجده يخرج من مكانه مهرولاً نحوهم، وينتظر مقدمة الركب حتى يكون بينه وبينهم ثلاثة أمتار، ثم يتقدمهم دون أن يخل بتلك المسافة. وإلى جانب ذلك فقد أصبح متمرساً على عمليات الكر والفر، فإن حدث ووقعت مصادمات مع الشرطة تراه يهرب مع اكبر مجموعة من الهاربين في الاتجاه الذي يختارونه، وإن صادف وحوصرت المجموعة يبقى في مكانه حتى ينجلى غبار المعركة ويعود أدراجه بهدوء شديد، وإذا قُدر وشاهد رجال الشرطة وهم يستقلون الدراجات النارية فحينذاك تثور ثائرته ويقود مجموعة من رفاقه ويطاردهم إلى ان يغادروا الموقع. والرفيق كانيلوس الذي اطلق عليه شباب اليسار اليوناني هذا الاسم، والذي لا تخلو قناة فضائية أوربية أو غربية من اخباره هذه الايام، بلغ الآن من الكِبر عتياً فقد تجاوز عمره الـ 18 عاماً ولم تفتر له همة، فهو ببساطة شديدة...كلب إبن كلب!
من المفارقات المدهشة، في الوقت الذي إنشغل فيه الكثيرون بالعبارات التي اطلقها الصحفي العراقي منتظر الزايدي مع حذائه ونعت فيها الرئيس الأمريكي جورج بوش بالكلب، كان غالبية الرأي العام الأمريكي مشغولين وما يزالوا بهوية الكلب الذي سيدخل البيت الأبيض مع الرئيس المنتخب باراك أوباما، والذي سبق وأن إلتزم على رؤوس الاشهاد في الحديث الذي أدلى به عشية إنتخابه في شيكاغو لبنتيه ماليا (10 سنوات) و ساشا (7 سنوات) بإقتناء كلب، وفي آخر مؤتمر صحفي عقده مازح أحد الصحفيين حينما سأله عن اخبار الكلب فقال له: أنه ميَّال لاختيار كلب من دار إيواء كلاب وإنه ربما كان هجيناً مثله، وتنشر كبريات الصحف الأمريكية من حين لآخر عروضاً بدأت تنهال على الرئيس الجديد، وكشفت عن أن الاختيار يبدو مُعقداً لأن البنت الكبرى تشكو من حساسية، وقد دخلت ”الاكاديمية الامريكية للحساسية والربو والحصانة الصحية“ طرفاً في الموضوع، ففي بيان لها قدمت فيه شروحات علمية دقيقة، هي لا محال ستجعل الكثيرون يفغرون أفواهم دهشةً. وفي الواقع للكلاب تاريخ حافل مع الرؤساء الأمريكيين، فالموقع الإلكتروني الحالي للبيت الأبيض يوضح سيرة كلاب الرئيس بوش ”بارني“ و”مس بيزلي“ وكذا الكلب الراحل ”سبوتي“ وثمة كلباً آخر كانت تملكه عائلة الرئيس السابق بيل كلينتون ”بيدي“ رحل عن دنيانا الفانية في العام 2002 ويومها كادت أمريكيا أن تعلن الحداد الرسمي، وفي انتخابات عام 1952 انخفضت اسهم مرشح نائب الرئيس ريتشارد نيكسون الذي اعترف بقبول كلب أهداه له رجل أعمال وإعتبره خصومه الديمقراطيون دليل رشوة، وإزاء ضراوة الحملة طالبه الجمهوريون بإرجاع الكلب، فقدم خطبة مؤثرة وبقربه الكلب موضع الجدل وكانت تلك هي المرة الأولى التي ينقل فيها التلفزيون الخطب الانتخابية، وقال بعين دامعة إنه لن يتخلى عنه لأن ابنته أحبته واسمته ”جيكرز“ إنقلبت المعايير رأساً على عقب، ففاز واصبح نائباُ للرئيس ايزنهاور، وبعد عقد ونصف اصبح رئيساً. لكن في الحملة الانتخابية المذكورة لم ينس الديمقراطيون تذكير الجمهوريين بما فعله الرئيس فرانكلين روزفلت، الذي سبق وان أرسل مدمرة عسكرية إلى هاواي لاحضار كلبته ”فالا“ وكان قد نسيها هناك خلال زيارة رسمية. ولربما لا يعلم البعض أن معظم الولايات الامريكية غيَّرت قوانينها المحليه الخاصة بالعلاقة بين الانسان والحيوانات الاليفة وتحديداً الكلاب والقطط بحيث أصبح الشخص يُسمى ولي أمرGuardian بالنسبة للحيوان بدلاً عن أنه مالك Ownerأي تماماً كعلاقة الأب بإبنه أو بنته! وبعد كل هذا هل تعتقد يا عزيزي القارىء أن الرئيس بوش سعِد أم غضِب من وصف منتظر الزايدي له بالكلب؟
وللكلب في الغرب - أياً كانت هويته - قيمة تدعو للغيرة والحسد، فقد يلاحظ المرء أن بعض التصرفات التي تلفت الانتباه بإعتبارها ظواهر شاذة، يتعامل معها الغربيون كشىء عادى، فمثلاً كثيراً ما نقرأ أن واحد من الميسوري الحال رحل عن الدنيا وأوصى بأن تؤول ثروته المليونية لقطته أو كلبه او لدار رعاية تهتم بهذه الحيوانات، وبالقدر نفسه لا تستلفت أخباراً اخرى مثل افتتاح فندق خمسة نجوم للكلاب والقطط انظار الناس، بل ان بعض مالكي هذه الحيوانات يعدونها فرض عين إن كان ولي امر الحيوان غنياً. بيد أن بطولات تظهر بين الفينة والأخرى تجد حظها في التغطية الاعلامية أكثر مما يطمح فيه أطفال دارفور، ففي صدر ”شيكاغو تربيون“ 13/11/2008 خبراً مطولاً لمواطن ”جون باتريك 68 عاماً“ والذي احترق منزله في أحد ضواحي مدينة شيكاغو، فقد عجز رجال الاطفاء عن إثنائه من الدخول لانقاذ كلبه (13 عاما) فطالته النيران وتوفي بعد دقائق قليلة من نقله لمستشفي مجاور، والمفارقة أن الكلب نجا من الموت المحتوم، وقالت الصحيفة إن ادارة الشرطة تلقت عدداً كبيراً من طلبات مواطنين أبدوا رغبة في تبني الكلب الذي اصبح يتيماً. وفي موقع قناة كاليجري التلفزيونية في كنداCTV Calgary أشار إلى أن محكمة المقاطعة حكمت على دانييل هاشت (21 عاماً) بالسجن شهراً وقضاء 40 ساعة عمل في خدمة المجتمع بالاضافة إلى سنة تحت المراقبة، وذلك نسبة لأنه سحب كلبه (دايزي ديوك) في شاحنته لمسافة 100 متر فسبب له جروحاً بليغة توفى على أثرها، وطبقاً للموقع فإن ناشطين في حقوق الحيوان أظهروا استياءً شديداً من الحكم بإعتباره مخففاً لا يتناسب والجريمة النكراء. وفي ديسمبر 2007 حكمت المحكمة بالسجن لمدة 23 شهراً على أشهر لاعب كرة قدم أمريكي ”مايكل فيك“ في فريق ”اتلانتا فالكونز“ ويعد من أثرى أثرياء الرياضة، وقُدرت ثروته بما يقارب الأربعين مليون دولار، وكان قد إعترف بتمويل شبكة لمصارعة الكلاب والاشتراك في جريمة قتل 6 كلاب على الأقل عن طريق الشنق أو الاغراق، وبعد النطق بالحكم أبدى أسفاً شديداً على فعلته الشائنة!
بما أن الكلاب بالقطط تذكر فلن أنسى يوماً في صيف العام الماضي صادفت فيه جارى (وليم) وكل منا يُهم بدخول منزله، وبعد السلام أشار إلى إلى صندوق صغير الحجم ملفوف بقطعة قطيفة حمراء وقال لي بتأثر حاول أن يداريه، أن الرماد المسجى في الصندوق ما هو إلا جثة قطتهم التي ذهبت مبكياً على شبابها وفضلوا حرق جثمانها واطلعني على شهادة الوفاة والتي توضح أنه ولي أمرها، وقبل أن يمضى للانضمام لزوجته وابنه لدفن الرفاة في حديقة المنزل الخلفية، كان لابد لي أن ابدى تأثراً بليغاً، وبالطبع تمتمت بكلمات عزاء اجتهدت في نفخ الروح فيها، وأعلم أن وليم لا يعلم أنني قادم من بلد الناس يموتون فيه ”سمبلة“ ومع ذلك لو علم مؤخراً بأن هادينا وراضينا ساق قسماً مُغلظاً بألا يمس أحد الكفرة الفجرة جلد ”كديسة من كدايسنا“، فلا شك أن وليم سيعتقد بأننا فعلاً من سلالة قوم اتعظوا بقول رسولهم أن امرأة قاسية القلب دخلت النار في هرة. وبناءاً عليه لا اعتقد أن أحد القراء الكرام يمكن أن يخطىء في استبطان دواخلي وأنا أرى عيادات ومستشفيات الحيوانات مبثوثة في ارجاء هذا البلد حتى كادت أن تضيق بها على اتساعها!
كذلك لا يخالجني أدني شك في أن ثقافة أهل المشرق والمغرب العربي لا تضع احتراماً للحيوانات الأليفة مثل الكلاب والقطط، ويكفى إستدلالاً وصفهم من يخافهم الرأي أو وجهة النظر بأنه كلب إبن كلب، ولا أظن ان أحداً منهم انتصر للكلب مثلما فعل الشاعر البدوي على بن الجهم الذي وصف الخليفة المتوكل بقوله: أنت كالكلب في حفاظِك للود/ وكالتيس في قراع الخطوب. وهو قول استفز بطانة السلطان الذين ارادوا الفتك به لولا شفاعة الممدوح، وبعد فترة قصيرة تمدن فيها الجهم هال البطانة نفسها أن يكون هو القائل: عيون المها بين الرصافة والجسر/ جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري. ومثله كان أحمد فؤاد نجم أمير شعراء العامية المصرية الذي تمني لنا أن نرتقي مقام ”فوكس“ أو ”كلب الست“ وحكايته مع ”اسماعين“ وقيل أن الست المعنية هي الراحلة أم كلثوم سيدة الغناء العربي: فوكس دا عقبال إملتك/ عنده دستتين خدامين/ يعني مش موجود ف عيلتك/ شخص زيه يا اسماعين/ واسماعين دا يبقى واحد/ م الجماعة الغلبانين/ اللي داخو ف المعاهد/ والمدارس من سنين. إلى أن يقول:والشاويش قعد يغني/ هيِّص يا كلب الست هيِّص/ لك مقامك ف البوليس/ بكرة تتولف وزارة للكلاب/ وياخدوك رئيس.
علماً بأن فوكس ليس من عينة الكلاب التي أرسلت بخصوصها الممثلة الفرنسية المشهورة بيرجيت باردو الرسالة تلو الرسالة للرئيس المصري حسني مبارك، وآخرها ما نشرته فرانس برس 13/5/2007 وطالبته فيها بمنع قتل الكلاب وقالت «سبق وان ناشدتكم منذ سنوات وضع حد لهذه الاساليب الوحشية والمعاناة الكبيرة لكل هذه الكلاب التي تسمم أو تقتل بالرصاص ...أناشدكم ولكنكم حتى لا تكلفون أنفسكم مشقة الرد علىّ». لكن باردو لو أنها مدت بصرها قليلاً جنوب الوادي، لعلمت أننا نعيش في بلد يعج بنوع خاص من الكلاب، كلاب كلما جاء ذكرها وُصِفت بالضالة، بما يعني أن لا أصل لها ولا فصل، بل لا يعلم الناس من أين جاءت؟ ولهذا فهي لا تستدر عاطفة أحد، ولا يستطيع أي أحد أصلاً أن يقترب منها، وإن فعل عكفت ذنبها وكشرت انيابها وتطاير الشرر من عينيها، بل حتى وإن لم يقترب نحوها أي بني آدم فهي أيضاً تفصح لك جهراً عن كونها تضمر شراً في نفسها والويل كل الويل لك من عقباها، فهي تبدو متحفزة دائماً لعض أي يد حتى لو أحسنت اليها، وكلابنا تلك تحب أن تهيم في الشوارع ولا تكف عن النباح ليلا أو نهاراً...قياماً أو قعوداً...سراً أو جهراً، وبلا عجب ليست كسائر الكلاب فهي لا تمنحك احساساً بالحب أو البراءة أو الحنان!
وكنت قد قرأت شعراً جميلاً قبل سنوات طويله لشاعر سوداني سقط أسمه وقصيدته من ذاكرتي، ولم أعد اذكر منها شيئاً سوى البيت الأول الذي يقول:
لو جئت مدينتنا/لوجدت كلاب مدينتنا تنبح/لو جئت مدينتنا/لوجدت إنسان مدينتنا ينبح!
وتراءى لنا في خيال شاطح حال كلاب هبطت بغتةً على قريتنا منذ ما يناهز العقدين من الزمن، وكانت من الضعف والهزال للدرجة التي إن ارادت النباح استندت على الحائط (وهوهوت) ولم يكن أهل قريتنا يعلمون أن فيها انتهازية مفضوحة، فقد مضى عليها حين من الدهر أطعموها فيه قوتهم مناصفة، ثم مضى العام تلو الآخر...اشتد ساعدها فإستقوت عليهم واستحوذت على الطعام كله وبدأت ترمى لهم الفتات، إلى ان أصبحوا ذات يوم ووجدوا أنفسهم وقد أسندوا ظهورهم على الحائط وبدأوا (يهوهون) بينما هي تضحك ملء شدقيها!
ذكر المولي عزّ وجل في كتابه الكريم الكلب في ثلاثة مواقع، وبما أننا أصحاب مشروع حضاري بغض النظر عن ايلولته إلى خواء، فقد عنَّ لنا أن الأوصاف الثلاثة التي برع ربَّ العباد فيها تنطبق إلى حدٍ كبير على كِلابُنا، فأنت تراها دوماً باسطة ذراعيها بالوصيد كما كلب أهل الكهف، وهي كما في السورة الأخري (الأعراف) ظلت في نفس الحال منذ أن وطأت قدميها ارض تلك القرية البائسة (كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث) إذ لا يجدي معها الحوار ولا يرق قلبها لقول حتى لو كان بالتي هي أحسن، والمفارقة أن كلابنا نفسها اقتبست من الثقافة الغربية شطراً فهي طبقاً لأمثال تلك الثقافة دائماً ما ”تنبح الشجرة الخطأ“. وقد ذكرني صديق عزيز خبير بأمور الكلاب والاعيبها وقال لي أن في جاهلية العصبة الأولي كانت هناك فئة يسمونها ”بني كلب“ ومهمتها القيام بالمهام الصعبة التي يعُز على ”بني الانسان“ القيام بها. وسواء هولاء أو اولئك هو لا يعلم أنني مصاب أصلاً بداء ”الكلابوفوبيا“ وهو مرض أصابني حينما كنت في ميعة الصبى، يومذاك تقصدني كلب ضال في شارع من شوارع المدينة وكاد أن يفتك بي، ومع انه لم يصبن سوى بخدوش صغيرة إلا أنني خشيت السعر وفضلت ألم أربعة عشر حقنة احاطت بـ ”صرتي“ كما تحيط الكلاب الضالة بفريستها!
يا سادتي كلوا واشربوا وتجشأوا وافرحوا وامرحوا وقروا عيناً... وإن شئتم فيمكنكم أن تحلموا بـ ”كانيلوس“ آخر...فقد يقودنا من الظلمات إلى النور وذلك ليس على الله وعليكم بعزيز!
عن (الأحداث) 28/12/2008
لمطالعة مزيد من مقالات الكاتب يمكن الضغط على الرابط التالي في موقع الجالية السودانية الامريكية بمنطقة واشنطن الكبرى
http://www.sacdo.com/web/forum/forum_topics_author.asp?fid=1&sacdoname=فتحى%20الضو&sacdoid=fathi.aldaw
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق