29 أبريل، 2011، الساعة 02:27 مساءً
في تجوالي المسائي على الفضائيات العربية خصصت ليلة امس التوقف بعض الوقت في القناة الحكومية السورية. حاولت ان ارى ماذا يقول الاعلام الرسمي عن الاحداث وماذا يعرض للمواطنين وغير المواطنين. كان برنامجا اخباريا لحسن الحظ. فذلك كان مبتغاي. عرض المذيع شريطا مسجلا يشتمل على مقابلات مع مواطنين عاديين في دمشق والسويداء ومدينة اخرى لا اتذكرها. احصيت منها اكثر من 15 مقابلة. الاشخاص كانوا متنوعون رجال ونساء، كبار وشباب، عاملون وطلاب وامهات بصحبة اطفالهن وجميعهم في الشارع، سواء فيما بدا انه مكان عمل، او مجرد سابلة في طريقهم الى مكان ما. كان الموضوع حول تدخل الجيش على خط الازمة. وقد تكون هذه الطريقة الدعائية غير ذات بال لدى الكثيرين باعتبارها أمرا معتادا لدى الاعلام الرسمي العربي بشكل يومي، في وجود ازمة أو من دونها. لكن هذه المرة ومع الظروف الاستثنائية التي تمر بها سوريا تكتسب اهمية خاصة وتبرز منها ملاحظات عدة:
الملفت كان التطابق المذهل في الاجابات حيث اجمعت كلها على تأييد تدخل الجيش لضبط "الامن والنظام"، ولم يبخل البعض بالزيادة فعاتب الجيش بأنه تأخر في التدخل. ليس من السهل بالطبع ان يزعم احد ان كل هؤلاء كاذبون ولكن من الممكن ايضا القول ان ليس بوسع اي منهم ان يقول كلاما غير الذي قاله، امام صحفيي النظام ومن تلفزيونه، ولهذا فان المؤكد هو انه لا يمكن التثبت من اي منهما، فالرأي الآخر غير مسموح به في سوريا بالمطلق. كان يمكن ان يكون الاعلام السوري اكثر حذاقة وذكاء من هذه الطريقة العقيمة لكسب الناس ومحاولة اقناعهم ان الافضل لسوريا ان تبقى كما هي للخمسين او المائة سنة القادمة كما كانت في الاربعين عاما الماضية.
بعد اللقاءات مع المواطنين، عرض التلفزيون تقريرا شن فيه حملة شعواء على الفضائيات العربية والاجنبية الناطقة بالعربية، وعرض صورا لصفحاتها الالكترونية. لم يستثن اي منها. اتهمها جميعا بالتحريض، ونشر اخبار غير موجودة، بل عرض لقطة من قناة الجزيرة ذكر انها من ليبيا. لم يجد الاعلام الرسمي السوري اي فضائية صادقة، ولا مرة واحدة، ولا في اي شأن سوري هذه الايام. اذن من هو الصادق؟ الاعلام السوري قدم الاجابة بنفسه اذ يصر انه الصادق وحده. ويعتبر ان كل لقطات التظاهرات التي ينقلها الشهود العيان بالموبايلات، اما مفبركة، او مجموعات مسلحة متآمرة تسعى لضرب سوريا. وهو في الوقت نفسه يمنع الصحافة العالمية ايا كانت من حرية الحركة بل ويمنع العديد منها من دخول سوريا اصلا.
انتقل المذيع الى الجزء الاخير من استعراض الوضع، وقدم لقطات لثلاثة اشخاص قال انهم من العصابات المسلحة المقبوض عليهم، مع حديث لهم في شكل اعترافات. والحقيقة فان لا احد غير الاعلام السوري نفسه، يستطيع ان يتحقق من صحة هذه الروايات، ولا من هوية هؤلاء الاشخاص، ومن أين أتوا، ولماذا يقومون بما يتكلم به الاعلام السوري، وأسئلة حائرة عديدة لا يقدم لها الاعلام السوري تفسيراً سوى بكلمة واحدة: المؤامرة.
من الواضح ان الاعلام السوري الرسمي سيواصل في هذا النهج. نهج حجب الحقيقة، واخفاء المعلومات عن الرأي العام، والتعتيم على الاحداث الحقيقية، وحرمان الرأي المخالف له من اي فرصة للتعبير. باختصار سيواصل نهج ابراز ما يريد ان يكون هو الحقيقة، مجندا كل قواه لاثبات وجهة نظر الحكومة، مع تغييب كامل للرأي الآخر (وحتى جثامين الشهداء) وكأنهم غير موجودين، جنبا الى جنب مع مدرعات القوات الخاصة في مهمتها لسحق المعارضة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق