13 أبريل، 2011، الساعة 01:19 مساءً
لم يفكر الشباب الليبيون عندما أوقدوا إنتفاضتهم أبعد من حلم الاصلاح في بلادهم بإلهام من ثورتي تونس ومصر، لكنهم أدركوا الآن ان ازاحة القذافي ونظامه لا يتطلب فقط تقديم التضحيات الجسيمة في الأرواح والممتلكات، وانما عليهم أيضا أن يديروا معاركاً من نوع آخر مع خليط غريب من المصالح الدولية والاقليمية التي بنت مصالحاً واسعة مع القذافي وعائلته، وتراها الآن تنهار مع ازدياد المطالبة برحيله.
روسيا كانت اهم قوة دولية بدت مأخوذة بتطور الاحداث في ليبيا واتخذت موقفا معارضا للتدخل العسكري رغم انها وافقت على قرار العقوبات. ويبدو ان الخسائر الاقتصادية هي احد اكبر العوامل وراء الموقف الروسي المتذبذب تجاه الثورة الليبية. وكانت موسكو قد اعلنت رسميا انها ستخسر صفقات سلاح بقيمة اربعة مليارات دولار في ليبيا بسبب حظر للسلاح أعلنت تأييدها له. وتستثمر الشركات الروسية مئات الملايين من الدولارات في التنقيب عن النفط والغاز هناك وتقوم شركة السكك الحديدية الروسية ببناء خط سكة حديد في ليبيا بموجب عقد بقيمة 2.2 مليار يورو.
تركيا هي القوة الاقليمية الاهم التي اتهمها الثوار علنا بالسعي الى انقاذ العقيد القذافي. ومن الواضح ان السخط الذي عبر عنه الليبيون في شرق ليبيا هو اول واكبر ضربة لمسيرة ناجحة طالما سعى رئيس الحكومة التركية رجب اردوغان لبنائها في العالم العربي حتى كاد يصبح "زعيم الامة العربية" وحصل على جائزة القذافي العالمية. ويختلف هذا الموقف كليا عن الموقف من الرئيس المصري السابق ونظامه اذ ان الانحياز التركي كان من اللحظة الاولى واضحا وقويا. لكن حجم المصالح الاقتصادية في ليبيا غير مثيله في مصر. ولتركيا أكثر من مائتي شركة، ونحو 30 الف عامل تركي في مختلف انحاء ليبيا وتبني مشاريعا بقيمة 15 مليار دولار. وكان اردوغان، قد تحدث عن استثمارات تركية في ليبيا بقيمة خمسة مليارات دولار بينما يقارب حجم التجارة المليارين ونصف المليار دولار.
ولا يختلف موقف الاتحاد الافريقي كثيرا عن الموقف التركي اذ يتقاطعان في اعتبار ان القذافي وعائلته جزء من العملية السياسية في ليبيا، وهو ما يتعارض تعارضا تاما مع موقف الثورة الليبية. وطرح موقف الاتحاد الكثير من الاسئلة حول طبيعته المهادنة للعقيد وتردده ازاء الثورة الليبية منذ اللحظة الاولى. ان المؤكد ان القذافي الذي تبنى في السنوات الاخيرة توجها قويا نحو افريقيا توجت بتنصيبه "ملك ملوك افريقيا"، يملك نفوذا واسعا داخل الاتحاد الافريقي. ففكرة الاتحاد نفسها كانت واحدة من افكاره ويقول مراقبون ان الاتحاد يعتمد الى حد كبير في تمويله على العقيد القذافي كما ان العديد من الرؤساء الافارقة مدينون له باغداقه عليهم بالمال. ومما يجسد نفوذه نجاحه في دفع الاتحاد الى رفض قرار المحكمة الجنائية الدولية ضد الرئيس السوداني عمر البشير خلال قمة سرت في ليبيا، وهو ما تحول الان الى مفارقة حيث أصبح هو نفسه مهددا بالاتهام نفسه من قبل نفس المحكمة بعد ان اوكل لها مجلس الامن الدولي البحث في احتمال ارتكابه جرائم ضد الانسانية.
يبقى الموقف الجزائري والسوري اهم المواقف العربية المناوئة بوضوح للثورة الليبية ولكن الموقف الجزائري هو الاهم كونها تقاسم ليبيا بحدود تقارب الالف كيلومترا. ولا يحتاج المراقب الى معارف خاصة حتى يفسر الموقفين فهما ببساطة يبذلان بكل ما يملكان من امكانيات امنية من اجل قمع أي ثورة مشابهة في بلادهما ما يعني ان اي تأييد للثورة الليبية يعني في الواقع ادانة نفسيهما. وفي حال نجاح الثورة الليبية نجاحا كاملا فان الجزائر وفي ظل صراعها المرير مع المملكة المغربية ستبقى البلد المغاربي الوحيد المعزول والمحاصر بالديمقراطيات المستندة الى ارادة شعبية حقيقية وهو ما لا ترغب الجزائر في رؤيته يحصل بأي شكل من الاشكال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق