14 أبريل، 2011، الساعة 02:31 مساءً
ابرز التلفزيون الحكومي السوري لقطات لاسلحة خفيفة كدليل على وجود مجموعات مسلحة مجهولة تقتل المواطنين ورجال الامن اثناء التظاهرات التي تطالب بلاصلاح في سوريا. واقع الامر ان المسؤولين السوريين والاعلام الرسمي درجوا منذ اليوم الاول للتظاهرات على اطلاق هذه التهم ولكن من الواضح ايضا ان القليلين هم الذين يصدقونها، لانها لا تقف على دليل قاطع ولا تستند الى منطق يتسق مع الحالة التي خلقها النظام نفسه لانها لو كانت موجودة لما ظل باقيا حتى يومنا هذا.
اولى الملاحظات ان السلاح لا يملكه في سوريا سوى اجهزة النظام نفسه بحكم طبيعته الامنية العالية، وعسكرته الكاملة للمجتمع، واطلاق يد الامن في جميع مناحي حياة المواطن من صحوه الى منامه، وفي حله وترحاله. ورغم ان الحالة نسخة مكررة لما هو سائد في باقي البلدان العربية الا ان النموذج السوري يفوقها جميعا في الصرامة والحدة والحزم وعدم التسامح. ويستطيع كاتب هذا السطور ان يشهد على فشل جميع الجهود التي بذلت في احد البلد الاوربية لتشجيع المهاجرين السوريين لتكوين جمعية اهلية عادية خوفا من انهم سيكونون موضع مساءلة عند عودتهم لبلدهم خلال الاجازات الصيفية. فمبادرات من هذا النوع احتكار حصري على حزب البعث الحاكم ومن يريد جمعية عليه ان ينخرط في تشكيلاته. ولم يكن ممكنا ادماج المغتربين السوريين في شكل منظم اسوة بالاخرين الا عن طريق مظلة فضفاضة يشارك فيها عرب آخرون من دول مختلفة. يجري هذا خارج سوريا وفي بلاد لا تتمتع فقط بالحرية التامة بل تقوم فيها الحياة على المشاركة الحرة للمواطن ومع ذلك فان المهاجر السوري يشعر بالخوف من مجرد التفكير في التمتع بهذا الحق. في ظل وضع كهذا ليس ممكنا بأي حال من الاحوال، الحديث عن وجود "جماعات مسلحة مجهولة" لا تعرفها اجهزة الامن، واكتشفتها فجأة خلال المظاهرات العفوية والمفاجئة الاخيرة.
ثانيا لماذا يتكرر اطلاق الرصاص وسقوط القتلى في تظاهرات المواطنين العزل في جميع المدن والبلدات التي سارت فيها المظاهرات بينما لا تنطلق رصاصة واحدة خلال المظاهرات التي تنظمها الحكومة؟ فاذا كان وجود "جماعات مسلحة مجهولة" امرا حقيقيا، وغرضها زعزعة الامن بشكل عام، فلماذا تستهدف المسيرات المطالبة بالاصلاح وحدها، وتغض النظر او تختفي كليا عن مسيرات الحكومة؟
ثالثا التطابق المثير في طريقة العدوان على المتظاهرين المسالمين العزل مع ما حصل في تونس ومصر. رجال امن بزيهم المعروف يطلقون الرصاص الحي على الناس، ثم يتبعهم آخرون بلباس مدني فيما بات يعرف بالبلطجية، ثم في مرحلة ثالثة استهداف بعض رجال الامن الذين يمتنعون عن تنفيذ الاوامر مثلما ظهر من افادات محددة جمعتها منظمات حقوق الانسان. ان السؤال الحقيقي ليس هو من الذي يقوم بهذا القتل والعنف المفرط، لكونه معروف مسبقا ويمكن اثباته ببساطة كما حدث في تونس ومصر، وانما لماذا تصر هذه الحكومات على تكرار ممارسات اثبتت الاحداث القريبة جدا انها لا تؤدي في خاتمة المطاف سوى الى نهايتها؟
ان المؤكد ان الامن السوري يلعب لعبة مزدوجة (قاتل ومقتول) بغرض توفير الغطاء والمبررات لممارسة المزيد من العنف والقهر والقمع ضد المواطنين المطالبين بالحرية والاصلاح. ومع العنف الفعلي على الارض يقود الحكم حملة سياسية موازية تهدف الى التشويش على اغراض واهداف المسيرات السلمية، وتجريمها باعتبارها خطرا على امن المجتمع وسلامة الوطن لتوفير المزيد من الحجج لضربها وقمعها حتى تصمت. لكن هل ستصمت جماهير سوريا؟ المستقبل القريب، والقريب جدا سيقدم الاجابة القاطعة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق